28‏/05‏/2011

عنق الزجاجة التي امتلأت بالدم



بقلم نوال السباعي
صحيح ..أن أعداد الشهداء والضحايا من الجرحى والمعوقين والمفقودين والمعتقلين والمعذبين والمفرومين ، لم تصل في سورية أثناء هذه الانتفاضة إلى العدد الرهيب الذي شهدته مدينة حماة وحدها مطلع الثمانينات ، عندما قام عمّ الرئيس الحالي مجرم الإنسانية "رفعت"، بقصفها ودكّها بوحشية وحقد توازيان وحشية النازيين عندما دمروا "غيرنيكا"  في إسبانيا.
 وصحيح..أن السوريين مجمعون على عدم طلب تدخل عسكري أجنبي ، ومهما بلغ حجم التضحيات ، لاخلاف في هذا بين كبيرهم وصغيرهم ، من هو داخل سورية ، ومن هو خارجها ممنوع من "حق العودة" إلا على جثث البعثيين – كما قال أحد ابواق النظام وببغاواته!- .
 وصحيح ..أن حلب ودمشق لم تتحركا بصورة جماعية كبيرة واضحة حتى الآن ، لكن الثورة كانت قد بدأت أصلا من قلب دمشق في سوق الحريقة ، وهيثم المالح ، وسهير الاتاسي، موجودان في دمشق ، وقد بدأا من هناك هذه الثورة بكلمات الحق التي رفعاها في وجه الظلم العاتي ، وأن المظاهرات الصغيرة والمتعددة جداً مافتئت تخرج ليلا ونهارا في جميع أنحاء دمشق وحلب ، رغم القمع الوحشي ، بدءاً من الجامعات وانتهاءا بالمساجد والحارات .
 وصحيح ..أن النظام راهن على خيار "الذبح "، دون المرور بخيارات الأنظمة البشرية المعروفة في مواجهة الاعتراضات والمظاهرات والانتفاضات ، وعزز "الذبح "  بمنظومة إعلامية مغرقة في التخلف والتَّطبُل والتَّبوُق، أقبح مافيها الظن أن أحداً ما على وجه الارض يصدق أزلامها أو يعيرهم أدنى قدر من إصغاء أو احترام..
صحيح ..أن هذه حقائق ساطعة قاطعة ، لالبس فيها ولاشك ، وأن هذه الثورة الإنسانية الكبرى في المنطقة العربية وصلت سورية بعد مرورها في سبعة عواصم عربية ، وبدأت.. ومازالت ..ثورة سلمية لاعنفية ولاطائفية ولاقومية ولادينية ولاعميلة ولاتابعة ، في مواجهة عنف السلطة الطائفية الدموي الإجرامي الذي ذهب إلى اقصى مايستطيعه ، في ظل تغافل عالمي وعربي وإسلامي ، يقطعه تصريح في تركيا ، التي تود حفظ أمنها ومصالحها ، وتصريح في إسرائيل المتوجسة أن تذهب الرياح بحليفها الخفيّ ، الذي ملأ الدنيا صياحا بمواقفه الممانعة والمقاومة والمقارعة لعدوٍ ثبت قطعا أنه.. الشعب السوري!، الذي أثبت بثورته شجاعة منقطعة النظير، تتناسب طرداً مع قدرة هذا النظام على سفك الدماء وتركيع المواطنين وسلخ فروات رؤوسهم بتصويب بنادق القناصة إلى الوجوه والأدمغة مباشرة ، وتمريغ أنوف المعتقلين بالسجود لصورة الرئيس الواحد الأحد ،أو أقدام الجلادين!، كما تتناسب عكساً مع معرفتهم العميقة بهذا النظام الحاقد ، والذي يستعمل معهم ومنذ عقود أساليب تعذيب وحشية لاتضاهيها في قذارتها إلا أساليب التعذيب القذافية التي استقاها القوم من وحوش الصرب وأغوال روسيا وضباع الإسرائيلييين!.
وصلت الأوضاع إذاً في سورية عنق الزجاجة ، التي امتلأت دماً ، بفعل نظام مجرم يعلم الجميع أنه مدعوم من قبل أمريكا وفرنسة وإسرائيل وإيران وتركيا والصين وروسيا والأنظمة العربية بمجملها !، وعلى الرغم من ذلك فإن الشعب السوري وعلى غرار أخيه الشعب اليمني لايريدان أي تدخل أجنبي غربي ، إننا نريد موقفا دولياً يصطف إلى جانب حقوق الإنسان
والتي تنقل صور انتهاكها الفضائيات على عجز وكره منها وتشكيك بسبب مواقف القائمين عليها من النظام السوري!.
الشعب السوري يرفض أي تدخل عسكري في بلاده ، لأنه هو ..هو صاحب الموقف المبدئي ضد الاستيطان الإسرائيلي على حدوده! ، وهو ..هو صاحب الممانعة واحتضان المقاومة الفلسطينية !، وليس حكامه  ، ولأنه يدرك جغرافيته السياسية ، وتركيبته الإنسانية الثرية ، فهو يُصر حتى الآن على ماأعلنه من شعارات لثورته ، ومهما بلغت التضحيات.
القضية برُمّتِها مُحولة إلى الشعب السوري ، الذي سيقرر يوم الجمعة الخطوة القادمة في مسيرة ثورته ، والتي وإن لم تستطع استرداد الحرية ، فقد نجحت وبكل المقاييس في افتضاح هذا النظام وادعاآته ، وفي استرداد كرامة الشعب السوري التي ديست خلال أربعين عاما .
فإلى كل من يهمه الأمر نقول ..أدركوا الشعب السوري قبل أن يسقط غصن الزيتون من يده ، فإنه لم يُغذِ الإرهاب في منطقتنا إلا استبداد الظالمين ، وبطش الحاقدين ، وتواطؤ الصامتين.
أدركوا سورية واليمن قبل أن يسقط خيار التغيير السلمي من إرادة الشعب ، وإيمان الشباب بالمستقبل ، تُسدّ في وجوههم طرق النجاة ، ولاتبقى إلا ثقافة الموت ، حيث تفقد الحياة قيمتها وتصبح صيحات الحرية نداآت ترجع الصدى لدى أقوام أصموا آذانهم عن هدير تسونامي الشعوب.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق