23‏/05‏/2011

المتهم حسني مبارك مجرم ضد الانسانية

 May 20 2011 by Atef Said

المصدر موقع ملتقى المهنيين المصدر موقع ملتقى المهنيين
كنت قد كتبت هذا المقال منذ أكثر من أسبوعين وأرسلته  للنشر في بعض الجرائد المصرية وقيل لي إنه "لظروف ضيق المساحة نعتذر عن النشر." ولم أتناول هنا فكرة ترددت مؤخراً في مصر وهي فكرة العفو عن مبارك إذا تنازل عن أمواله للشعب المصري، وهي الفكرة التي نفاها مؤخراً المجلس العسكري بعد استنفار كبير من أبناء الشعب لمجرد طرح الفكرة. ورأيي باختصار أنه لا عفو بدون محاكمة وأن الوحيد الذي له حق إقرار العفو هو الشعب المصري، كما أن مبارك متهم بتهم ليست مالية فقط ولكن بجرائم ضد الإنسانية أثناء فترة حكمه. كما أشرح في هذا المقال كيف أن جريمة قتل المتظاهرين هي جريمة ضد الإنسانية أيضاً.
يعتبر الرئيس السابق مبارك أهم وأشهر محبوس احتياطياً في تاريخ مصر المعاصر ولمحاكمته دلالات قانونية وسياسية هامة بالنسبة للثورة المصرية. وفي هذا ظهرت أصوات تتهم كل من يتحدث عن حالة مبارك والمطالبين بمحاكمته بالشماتة، وتطالبهم برحمة الرجل المسن. وفي الحقيقة فأن هذا الكلام مستغرب. فالحديث عن الشماتة أو الشفقة لا محل له من الإعراب هنا، فنحن هنا نتحدث عن إعمال القانون والعدالة. لم يقل أي أحد بضرورة الانتقام أو التشفي من الرجل. والمحاكمة تبغي إرساء القانون والعدالة. وعلى العكس، فأن عدم محاكمة مبارك يشكل خطراً كبيراً على مستقبل سيادة القانون. ليس فقط لأن المحاكمة هي أحد مطالب الثورة ولكن لأن عدم المحاكمة معناه أن الدولة الجديدة عاجزة عن إرساء دعائم سيادة القانون في مصر. إذا كان لدى مبارك ما يبريء ذمته الجنائية والمالية فالأشرف له وللتاريخ أن يقدم ذلك في محاكمة قانونية.
وكلنا نعرف ان الحبس الإحتياطي بدون محاكمة ولفترات طويلة، وفي قضايا ملفقة ووهمية، كان أحد اساليب نظام مبارك في الإنتقام من المعارضين والنشطاء السياسيين. من يعارض محاكمة مبارك لم يكن من المشفقين  على الرجل ومستعطفي الرأي العام فقط، ولكن علا صوت البعض ليقول بأن الفترة الانتقالية ليست سوى فترة انتقامية. وفي الحقيقة فهذا كلام مستغرب أيضاً. فبرغم اختلاف البعض، فقد اتفق معظم الوطنيين على أن يحاكم مبارك ونظامه محاكمة قانونية وأمام قاض طبيعي، ورفض الجميع أن يتجرع مبارك ونظامه من كأس الطوارىء والمحاكمات الاستثنائية، مثل ضحاياهم لمدة 30 عاماً، وذلك لأسباب كثيرة لا يتسع المجال هنا لها.
ليس من بين التهم الموجهة لمبارك كونه المسؤول السياسي الأول لنظام التعذيب في مصر لمدة أكثر من ربع قرن. ولقد أجمعت كل المنظمات الوطنية والدولية لحقوق الانسان، بما في ذلك اللجان المتخصصة بالأمم المتحدة وخاصة اللجنة الدولية لمناهضة التعذيب على وصف مصر بانها من الدول التي يمارس فيها التعذيب بشكل منهجي. كانت هذه التقارير تصل إلى نظام مبارك باستمرار ولطالما استخفت بها حكوماته. ووصل الأمر أن مصر أصبحت محطة للتعذيب بالوكالة وتورط في ذلك مسئولون كبار بمصر وبعلم مبارك. ويعلم كثيرون وخاصة المتخصصون من الحقوقيين بأن التعذيب في مصر كان قد وصل لدرجة من الاحترافية ـ وخاصة في جهاز مباحث أمن الدولة ـ بحيث كانت تمحى آثار التعذيب، وفي الحالات التي كانت تبقى هذه الاثار فيها كانت تمارس الضغوط على الطب الشرعي ـ هذا إذا وصلت للنيابة أصلاً وتم تحريك الموضوع ـ لتدبيج التقارير بحيث تنفى المسؤولية عن الضباط المتورطين في التعذيب. وفي كثير من الأحوال كان يصعب إثبات اي شىء لأن الضحايا كانوا يُعذبون معصوبي الأعين. وكنت قد نشرت عام 2008 كتاباً بعنوان التعذيب جريمة ضد الانسانية، صدر عن مركز هشام مبارك للقانون.
كان السؤال الأساسي للكتاب هو: هل وصل التعذيب في مصر لمستوى جريمة ضد الانسانية. وانتهيت للاجابة بنعم. ولجأت في ذلك للشروحات القانونية حول إنشاء المحكمة الجنائية الدولية والقانون الجنائي الدولي. ووفقاً لهذه الشروحات تتحول بعض الجرائم العادية (مثل القتل او الإغتصاب أو الاسترقاق أو التعذيب.) إلى جريمة ضد الانسانية إذا تم ارتكابها على نطاق واسع ضد مدنيين وبلا تمييز. وفي هذا قالت اللجنة الدولية لمناهضة التعذيب في تعليق لها عام 1996 عن مصر بأن التعذيب يكون منهجياً عندما أصبح ثابتاً أن التعذيب يتم اللجوء اليه في أكثر من زمان وفي أكثر من مكان وباستخدام ذات أساليب التعذيب أو أصبح ثابتاً انه منتشر في أحد الاقاليم أو الأماكن في البلاد. والفارق الأساسي بين جريمة التعذيب الفردي وجريمة التعذيب بوصفها جريمة ضد الإنسانية هو أن يتحول التعذيب لممارسة واسعة النطاق و بطريقة نظامية. والأولى يتحمل مسؤوليتها القائم بالتعذيب أما الثانية فيتحمل عنها المسؤولية من وضع السياسة الأمنية التي سمحت بانتشار التعذيب.
ولن أتحدث هنا بالتفصيل عن جريمة قتل المتظاهرين. فهذه الجريمة تصل لمستوى الجريمة ضد الإنسانية أيضاً، لأن المتظاهريين كانوا مدنيين عزل وقتلوا بطريقة عشوائية ـ أي بطريقة جماعية وبلا تمييز. وهذا الرأي هو ما أكده خبير القانون الدولي الدكتور فؤاد عبد المنعم رياض وهو القاضي السابق بالمحكمة الجنائية الدولية لجرائم الحرب بيوغوسلافيا السابقة ( الأهرام 2  مارس 2011). كما أكده القاضي المصري محمد الزيدي وهو يعمل مستشاراً بأحدى دوائر المحكمة الجنائية الدولية في حوار معه (الأهرام 27 مارس 2011).
القانونيون يعرفون بأن الجريمة والعقوبة شخصية لا يحاكم ولا يعاقب بسببها إلا مرتبكها. ولكن هناك استثناء من هذا هو المساهمة الجنائية بالتحريض او باعطاء الأوامر. ويقول البعض إن هناك صعوبة في إثبات وجود أوامر من الرئيس السابق باطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين. وهنا لا نقول إن الرئيس السابق يتحمل المسؤولية الجنائية بطريقة مفترضة ولمجرد أنه كان الرئيس الأعلي لجهاز الشرطة وفقاً للمادة 59 من الدستور المصري. لكن هناك مبدأ هام في القانون وهو معروف في القانون الجنائي الدولي يعرف بأسم مبدأ المسؤولية القيادية، بحيث يتحمل الرئيس المسؤولية الجنائية عن أعمال تابعيه ولو لم يقم باعطائهم أوامر صريحة بالتعذيب أو القتل مثلاً. ووفقاً للمبدأ يتحمل القائد أخطاء مرؤوسيه اذا أخل القائد أو الرئيس بواجباته أو لم يقم باتخاذ التدابير اللازمة لمنع الجرائم التي يعرف بأنها على وشك الوقوع أو بانها وقعت فعلاً مع تقصيره في محاسبة المسؤولين عن ارتكاب هذه الجرائم.
وقد تناولت المادة 28 الفقرة الثانية من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية موضوع مسؤولية الرئيس الجنائية عن أعمال تابعيه، وحددت شروط معينة لن اتناولها الآن بالتفصيل. والأمر هنا متروك لمحكمة الموضوع بالطبع للبحث في هذه الشروط ومعرفة مدى علم مبارك وتقصيره بوصفه الرئيس الأعلى لجهاز الشرطة عن جريمة قتل المتظاهرين. وقد يقول قائل إن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية ليس ملزماً في مصر. لكن هنا تجدر الإشارة إلى أن محكمة النقض المصرية قد سلكت مسلكاً يتبنى فكرة المسؤولية القيادية أيضاً عندما حَمّلت الرئيس المسئولية الجنائية في حالة امتناعه عن نهي مرؤوسيه الذين يقومون بالتعذيب واعتبرت المسلك السلبي لرجل السلطة المختص تجاه التعذيب بمثابة أمر أو موافقة على التعذيب. وأحكام النقض هذه تتعلق بالتعذيب لكننا نعتقد بصحة تطبيقها في حالة قتل المتظاهرين، حيث نعتقد بان الرئيس السابق يتحمل المسؤولية الجنائية عن قتل المتظاهرين ولو لم يثبت وجود أمر صريح بالقتل اذا ثبت انه سلك مسلكاً سلبياً يفهم منه الموافقة على القتل أو أمتنع عن نهي تابعيه الذين قاموا بقتل المواطنين مع علمه بحدوث هذا القتل. وهذه لم تكن جريمة قتل فردية بحيث يصعب عليه العلم بها، لكن عدد القتلي وصل إلى ألف شهيد. من أجل تاريخ مصر، ومن أجل الشهداء ومن أجل أطفالنا، ومن أجل سيادة القانون، يجب ان يحاكم حسني مبارك ، وهو الرجل الذي حرم عشرات الألوف في عهده من حق المحاكمة المنصفة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق