27‏/06‏/2011

الوجه الآخر للحملة من أجل تأجيل الانتخابات البرلمانية




تقرير كتبه : أحمد سعد البحيري (المصريون)   |  27-06-2011 01:07

الحملة التي ترفع شعار"الدستور أولا" ليست فقط أحجار يلقيها قوى سياسية ضعيفة شعبيا وتشعر بالخوف من مواجهة الشعب المصري في أول استحقاق انتخابي حر وشفاف في مصر من شأنه أن يفرز خريطة سياسية حقيقية لمصر ، ولكن الحملة في وجهها الآخر والأهم أنها تمثل مجرد ستار ، يصطنعه ـ بالأساس ـ "أباطرة" البيزنس الموروث من عصر مبارك من أجل تأجيل أي استحقاقات سياسية جادة وعملية يمكن أن تفضي لبرلمان حر وحكومة منتخبة ، يملكان قدرة بلا حدود على فتح كل ملفات عصر مبارك ، وخاصة في مجال "البيزنس" الحرام ، ولذلك تستخدم هذه "القطط السمان" كل أدواتها التي تملكها من قنوات فضائية وصحف وإعلاميين وصحفيين ونشطاء محترفين ، من أجل تأجيل ذلك الاستحقاق التاريخي ، الذي من شأنه أن ينتقل بمصر إلى عصر الديمقراطية والشفافية وسيادة القانون ، وباستثناء كتل شبابية محدود تندفع ببراءة وقلة خبرة سياسية ، فإن إدارة هذه المعركة يملك مفاتيحها هؤلاء "الأباطرة" وهي معركة حياة أو موت بالنسبة لهم بعيدا عن الدستور أو أي مطالب سياسية أخرى .



عندما اشتد الجدل حول دور الدكتور يحيى الجمل نائب رئيس مجلس الوزراء ومواقفه المستفزة لقطاع كبير من الشعب المصري ومطالبة قوى كثيرة بإقالته من منصبه ، تحدث الجمل بأنفة وشموخ ووصف نفسه بأنه "وتد" وأن أحدا لا يستطيع إقالته ، وتصور الجميع وقتها أن هذا التصريح من نائب رئيس مجلس الوزراء كان على سبيل العناد والاعتداد الزائد بالنفس ، ولكن الحقيقة أن الجمل كان يعني ما يقول فعليا ، وهو أنه "وتد" في السلطة الجديدة ، وأن مسألة عزله أو إقالته ليست بالأمر الهين ، وهو ما تعزز بكل تأكيد في الأسبوع الماضي عندما عجز رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف عن أن يمضي قراره بقبول استقالة يحيى الجمل من منصبه .

والوتد مصطلح مستوحى من تعبيرات البدو وأهل الريف ويدل على عمق تجذر القطعة الخشبية في الأرض ووصولها إلى أعماق بعيدة نسبيا بحيث يصعب اقتلاعها بل تتحول إلى سند ورابط يربط به غيره بحيث لا يستطيع الفكاك ، وعندما يتحدث يحيى الجمل عن كونه "وتد" فهو لا يعني بطبيعة الحال الأشهر الثلاثة التي تولى فيها ذلك المنصب الغامض ، فتلك الأشهر ولا حتى الأعوام الثلاثة لا تصنع "وتدا سياسيا" ، وإنما يتشكل الوتد على مدار سنوات طويلة من التعمق والتجذر في تربة سياسية واقتصادية وأمنية ، فوتدية يحيى الجمل تمتد إلى عمق نظام مبارك نفسه .

قد لا يعرف كثيرون عن الدكتور يحيى الجمل سوى أنه "خبير قانوني" وفقه دستوري ، لكن قليلين الذين يعرفون أن الجمل هو أحد رجال البيزنس الكبار في مصر ، وأنه يرتبط بشراكة اقتصادية ممتدة عبر أكثر من ستة وعشرين شركة كبرى ، هو الشريك المؤسس فيها ، وأن بعضا من هذه الشركات تربط يحيى الجمل برباط متين مع شخصيات رفيعة ونافذة ، وأن الجمل وأسرته يرتبطون عبر شبكة علاقات اقتصادية معقدة مع أسر أخرى نافذة وكبيرة في مصر .

والدكتور يحيى الجمل الذي يتحدث ـ الآن ـ بسخرية عن العقيد الليبي معمر القذافي ويصفه بأنه مجنون ، بعد أن انحسر دوره وحضوره ونفوذه وسلطته وسقطت شرعيته ودخل في طور الأفول ، الدكتور يحيى الجمل هو الوكيل المؤسس لشركات اقتصادية ضخمة تابعة للاستخبارات الليبية التي يشرف عليها العقيد القذافي وأنجاله ، كما أن الجمل يرتبط بعلاقات مالية وثيقة ، مع أحمد قذاف الدم ، الممثل الشخصي لمن يصفه ـ الآن ـ بالمجنون والمخرف .

وأما الملياردير القبطي المهندس نجيب ساويرس فهو "وتد" آخر من أوتاد عصر مبارك ، والعصر الحالي أيضا ، ونجيب ساويرس له ثمانية ملفات كبيرة في مباحث الأموال العامة ، موقع عليها بالحفظ من أيام النظام السابق ، حيث يحظر على أي جهة تحريك هذه الملفات أو التحقيق فيها ، كما أن معركة ساويرس الحقيقية الآن ليست هي ما يدعيه من قضية "الدستور أولا" ، فتلك مجرد قنبلة دخان يطلقها من أجل إبعاد الأعين عن معركته الحقيقية والأهم التي تدور الآن في أروقة اقتصادية رسمية عديدة ، ساويرس يحاول ـ في تلك اللحظة ـ تمرير صفقة خطيرة بعشرات المليارات متعلقة بتقسيم شركة "أوراسكوم" بدون تقديم أية أوراق مستندية ، أو حسابات دقيقة معتمدة من البنوك داخل مصر وخارجها ، وهو يضغط حاليا على عدة إدارات مالية واقتصادية رسمية من أجل تمرير تلك الصفقة بالمخالفة للقانون ، ولو تمت لأهدرت من قوت الشعب المصري وحقوقه مئات الملايين من الجنيهات .



ويمثل ملاك قنوات الحياة والمحور ودريم وصحف المصري اليوم واليوم السابع والشروق ، وهي التي تقود الحملة من أجل الدستور أولا ، وتقاتل من أجل تأجيل الانتخابات ، يمثلون وجوها مشابهة للهلع الذي ينتاب عددا من "القطط السمان" التي سمنت وتضخمت كروشها من فساد عصر مبارك ، وتمثل الانتخابات البرلمانية الحرة المقبلة كابوسا حقيقيا لها ، ليس فقط لقدرة البرلمان الجديد الرقابية التي ستتيح له فتح كل الملفات القذرة وبدء عملية تطهير الاقتصاد والإدارة المصرية من أوكار الفساد ، وإنما أيضا لأنها ستفزر أول حكومة مصرية منتخبة من الشعب نفسه مباشرة ، وبالتالي حكومة تملك قرارها ، ولا يوجد أي رقيب على قراراتها إلا الشعب نفسه ، وهو ما يمنحها قوة هائلة لإنجاز مشروع الثورة الأساس بتطهير كل خلايا الدولة المصرية ، اقتصادية وأمنيا وقضائيا وسياسيا ، من الخلايا السرطانية الموروثة من عهد مبارك 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق