18‏/06‏/2011

ثورة 25 يناير تسرح الموظفين وتستقبل المتدربين



الإثنين, 13 يونيو 2011
القاهرة – أمينة خيري
أيام معدودة وتبدأ عطلة الصيف. جيش جرار قوامه نحو مليونين ونصف مليون طالب وطالبة – هم تعداد طلاب التعليم الجامعي في مصر – سيواجهون أحد خيارين: عطلة صيفية عامرة بالنوم والتسكع في المقاهي أو ربما السفر والمتعة، أو عطلة فيها بعض الإفادة وخانة جديدة تضاف إلى قائمة «الخبرات» في السيرة الذاتية.
وبين مشاعر متناقضة كانتظار التخرج بفارغ الصبر والإصرار على التدريب «وإن للإنفاق الخاص»، يتراوح موقف الطلاب والطالبات الذين إن اتفقوا على شيء فهو اهمية فرص التدريب الصيفي في إمكانات التوظيف بعد التخرج خصوصاً إذا كانت فترة تدرج حقيقية.
«يسعد شركة كذا للمقاولات الإعلان عن برنامج التدريب الصيفي لطلاب كليات الهندسة فروع «ميكانيكا» و «عمارة» و «مدني» في الجامعات المصرية لمدة شهر واحد». «التدريب الصيفي هو خبرة عملية تكتسب في أجواء عمل حقيقية تعد حجر الأساس لأي مجال عمل. هو نقطة الانطلاق التي تمكن الطالب من استكشاف مجالات العمل المختلفة، وبناء ملكات جديدة وتنمية العلاقات. لذا تعلم شركة كذا الكبرى عن فرص تدريب صيفي في المجالات الآتية: حسابات، مبيعات، تكنولوجيا معلومات، وذلك لفترات تتراوح بين شهر وثلاثة أشهر».
مواقع الشركات والجامعات المختلفة تحفل هذه الأيام بأعداد هائلة من التنويهات عن فرص تدريب صيفي لطلاب الجامعات، وعلى رغم أن الغالبية العظمى من هذه الفرص غير مدفوعة الأجر، فإن الإقبال عليها يجعلها تبدو وكأنها فرصة عمل بآلاف الجنيهات.
«هي تساوي أكثر من آلاف الجنيهات. فالفرصة التي قد أحصل عليها في شركة هندسية كبرى قبل تخرجي ستكون كنزاً لا يقدر بمال»، يقول أحمد عاطف (20 عاماً) الطالب في كلية الهندسة - جامعة القاهرة. وحصل عاطف لتوه على فرصة تدريب في إحدى أكبر شركات المقاولات الهندسية، وهي الفرصة الثالثة على التوالي، أي أنه منذ التحق بالجامعة يمضي جانباً من عطلته الصيفية في تدريب عملي.
لكن وعلى رغم تفوق عاطف، وحماسته الشديدة، وإيمانه العميق بقيمة التدريب الصيفي العملي، يعترف بأن الوساطة تلعب دوراً في حصوله على هذه الفرص: «التدريب عموماً متاح للجميع، إلا أن الفرص الذهبية ليست كذلك». والواقع أن الشركات الثلاث التي حظي عاطف بالتدريب فيها من أكبر الأسماء في عالم المقاولات الهندسية، وعدد المتدربين الطلاب الذين تقبل إلحاقهم بها صيفاً محدود للغاية، ولولا علاقة والده القوية بأحد رؤساء القطاعات فيها، لما توافرت له تلك الفرص.
شكل آخر من أشكال التدريب الصيفي تقوم به سها عبدالله (20 عاماً) الطالبة في كلية التجارة. لكن التدريب الذي تقوم به لا يتعلق بالحسابات أو المراجعات أو حتى الموازنات، وإنما هو «تدريب مطبخي». فهي تعشق صناعة الحلويات، وهو ما ورثته عن والدتها وخالتها الشريكتين في محل حلويات راق في القاهرة. تقول سها انها التحقت بكلية التجارة لسببين، الأول أن تعمق فهمها للمسائل الحسابية وغيرها، والثاني أن الدراسة في كلية التجارة سهلة، وتتيح لها النجاح بسهولة كي تتفرغ لهوايتها في صناعة الحلويات وتزيينها وتجهيز حفلات أعياد الميلاد وبوفيهات الأفراح التي قررت أن تجعلها مهنتها بعد التخرج. وتقول سها مبتسمة: «إحدى الميزات الكبرى في التدريب الصيفي في المحل هو أنني أحصل على راتب شهري مجز، إضافة إلى المعاملة المميزة من والدتي وخالتي اللتين تديران المكان».
ويعتبر العائد الشهري استثناء وليس سمة من سمات التدريب الصيفي في شكل عام، بل إن كثيرين من المتدربين يضطرون إلى الإنفاق من جيوبهم، أو بالأحرى من جيوب ذويهم، على المواصلات والوجبات الغذائية وغيرها.
ويقول صاحب مكتب محاسبة انه اعتاد إعطاء الفرصة لطالبين من طلاب كلية التجارة للتدريب خلال عطلة الصيف، لكنه سيعطي الفرصة هذا العام لأربعة أو خمسة من المتدربين. ليس هذا فقط، بل إنه يعطي كلاً منهم مكافأة رمزية تغطي قيمة التنقلات. لكن على ما يبدو، فإن هذه الزيادة في عدد المتدربين ليست منزهة عن الأغراض الشخصية لصاحب المكتب الذي اضطر إلى الاستغناء عن إثنين من المحاسبين الأربعة الذين يعملون لديه عقب أحداث ثورة يناير، وقيام عدد من الشركات التي تربطه بها تعاقدات لتسوية موازناتها بإلغاء العقود لمشكلات مادية، أو لأنها هي نفسها أغلقت أبوابها. وبالتالي فإن الاستعانة بأربعة متدربين يتقاضى كل منهم مئة جنيه شهرياً على مدى ثلاثة أشهر أوفر بكثير من راتب محاسبين يتقاضى كل منهما ألفي جنيه بالاضافة الى الضمان الاجتماعي وغيره.
وتنشر شركات الدعاية والتسويق إعلانات مغرية جداً تجعل الطالبات يتهافتن عليها ليتضح لاحقاً أنها مجرد وهم وخيال. «مطلوب طلاب للعمل في فترة الصيف في تسويق منتجات إلكترونية بنظام العمولة... أربعة آلاف جنيه في انتظارك. اتصل لتحصل على جزء من العمولة قبل تسلّم العمل». يضحك محمود وصديقه خالد الطالبان في كلية الحقوق كثيراً وهما يحكيان قصصهما مع هذه الشركات، لكن أطرفها حدث العام الماضي حين تقدما الى شركة تسويق «بطاطين» (بطانيات) بناء على حملة إعلانات اتخذت لنفسها شعار «إكسب ملايين وبيع بطاطين». يقول محمود: «قابلنا المدير الذي أقنعنا بأن عمولتنا مئة في المئة، وأمضينا أكثر من شهر ونحن نجول على المحال والبيوت في محاولة لبيع ولو بطانية واحدة من دون جدوى. وأنفقنا ما لا يقل عن 200 جنيه على المواصلات لننتقل من مكان إلى آخر، حتى أننا سافرنا ذات مرة إلى الإسكندرية في محاولة لكسر النحس. وحين عدنا لنعيد البضاعة إلى الشركة، لم نجد المدير، بل لم نجد الشركة نفسها. وعلمنا أن الشرطة ألقت القبض عليه بتهمة النصب». ويتابع صديقه خالد قائلاً: «عموماً نحن أخطأنا من البداية... فكيف يسوق أحدهم لأغطية شتوية ونحن في عز الصيف؟! وحتى البطاطين التي ظلت في حوزتنا، لم نستخدمها لرداءتها الشديدة».
وباستثناء النصب والتدليس، سواء كانت فرص التدريب الصيفي تستخدم من البعض كوسيلة لاستغلال حاجة الطلاب للتدريب في مقابل القيام بأعمال من دون مقابل، أم أنها واجهة للشركات التي تمنح فرص التدريب، فالمؤكد أنها ميزة كبرى للمتدرب.
مدير الموارد البشرية في إحدى الشركات المتعددة الجنسية الكبرى العاملة في مصر ضياء الدين حمدي يقول ان السيرة الذاتية للخريج الباحث عن فرصة عمل والتي تحوي خانة خاصة بتدريب عملي تلقاه أثناء دراسته تضعه في مرتبة أعلى وأفضل من زميل له لم يتلق تدريباً عملياً.
ويضيف: «الطالب الذي يحصل على فرص تدريب قبل تخرجه يحظى بصقل لقدراته وملكاته، ويكون أنجح في التعامل مع فريق العمل في أجواء مهنية، كما يصبح أكثر نضجاً بالإضافة بالطبع إلى النواحي الأكاديمية التي يدرسها في الجامعة في مجال تخصصه، وإن كنا في التوظيف لا نلتفت كثيراً إلى التقديرات التي حصل عليها المتقدم، لكن يهمنا في شكل رئيس طريقة تصرفه، وتعامله، والقدرات المكتسبة لديه».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق