13‏/06‏/2011

معا نتطور .. لمحمد احمد الراشد






q       التكميل والتسهيل والتقويم والتناسب .. شروط النجاح
            هذه هي آفاق سلسلة العمليات التطويرية ، ومن شأن هذا التخطيط لو نفذ أن يرفع مستويات المشاركين ، بإذن الله وتوفيقه وتيسيره ، وأن يحرك عناصر الإبداع والاستواء فيهم، ليكونوا من صناع الحياة.
            لكن النجاح في التنفيذ والوصول إلى النتيجة المرجوة منوط بشروط عديدة فيها تكميل وتجويد:
* الأول: وجود محور إداري لكل هذه التشعبات العلمية والعملية، بحيث تكلف مجموعة ثلاثية مثلا يوضع الجداول التنفيذية وتعيين حجم الدروس وتواريخها وإمكانها ومدرسيها ، وكذلك الفعاليات الأخرى المحلية، والرحلات ، وتحاول أن تسيطر على حركة التطوير وتضبطها، وتظل تراقب وتحاسب وتنبه الناسي وتسأل عن التوقف، وكذلك تطبع ما ينبغي طبعه، وتتولى توزيعه، وتوفر كتب المطالعة لنادرة، وتوفر المال اللازم وتدقق في عملية صرفه ، وتراسل العناصر المعنية وتخابر وتبرق ، بحيث أن الثقل الإداري يرتفع عن كاهل المربين.
* الثاني : تقديم جوائز تشجيعية للمشاركين يجد واهتمام ، ووضع حوافز ودوافع لبذل مزيد ، فإن الإحسان جزاء الإحسان، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله تعالى، والإنصاف يدعو إلى المكافأة والاعتراف ، ولكن جوائزنا لا تكون مادية وبمقاييس دنيوية وتجارية، وإنما هي سامية بمقدار سمو البذل الدعوي، كأن نبعث الريص على تطوير نفسه وتطبيق المنهج في رحلة مجانية إلى مؤتمر متميز أو ساحة ساخنة ليرى ويشافه النبلاء ، أو تزوده بكتب قيمة.
* المثال الثالث: تكميل المنهج العام بمنهج خاص للبعض في مرحلة لاحقه يحسب ما يكلفون به من الأعمال التخصصية ، وعلى الأخص: أولئك الذين سيتولون التربية ، فإنهم بحاجة للتداول في أمور  المنهج وتطبيقه، وكيفية حل مشاكل الأفراد ، وتقوم المطالعة الشخصية بدور هام في هذا التكميل إلى جانب تفهيم الأعراف ورواية التجارب.
* الرابع: إتباع سياسة في اختيار الطلاب خلاصتها وشعارها ( التساهل والتسهيل) ، بحيث توسع الإدارة في الإختيار، وتعلق التشدد ، في محاولة تجريبية لإشراك عدد أكبر وإتاحة فرصة التطور لهم أن كان الله تعالى قد كتب لهم في ا لقدر الارتفاع. وقد تخامر الذهن فكرة إطلاق المسألة تماما وفتح الأبواب على مصاريعها وتطبيق منهج التطوير على كل رجال الصحوة وحملة الأمانة، تعرضا لهذا القدر الرباني ، إذ لا ندري كم من عناصر مختبئة تحت ستار الحياء أو تحت ضغط المشاكل الحياتية يمكنها أن تنتفع ، وهذا الاحتمال منفعة إيجابية تكاد ترجح جانب الإطلاق والتعميم لو لا أن تجاربنا الأخرى تفيد باقتراب ذلك بسلبية شوهدت لدى بعض الجدد وأصحاب القابليات الضعيفة إذا سمعوا أحاديث الفكر المتقدم في فقه الدعوة مما لا يمكنهم استيعابه بسبب قلة تجاربهم أو لأسباب فطرية ، لأن هذا التنظير يجعلهم يتدخلون بفضول فيما لا يعنيهم من المباحث ، ويقلل في أعينهم هيبة المربين وقدماء السائرين ، مما جعلنا نميل إلى مواصلة العمل بالعرف الراسخ في اختيار النخبة وحجب هذا الخير عن البعض عمداً، رفقاً بهم وانتظارا لنضوجهم التدريجي من خلال التربية والمعاناة، وليس الخطأ في الاتجاهين معا، بإن يرشح داعية وهو دون المستوى المطلوب، أو يحرم آخر من المشاركة وهو أهل ولعل شعار التساهل يقلل هذا النوع الثاني من الخطأ، ويبقى حق الأمراء ، في الاجتهاد في الاختيار أصلا صحيحا ، وفي تكثيف التربية تعويض لمن يحرم.
            وأما تسهيل فهو المعنى المكمل الذي يجعل المجموعة المختارة أكثر تفاعلا مع المهج وعموم فعاليات التطوير، ونعني به تسهيل طريق الإنسحاب للمرشح إذا كان مستثقلا للحضور والمشاركة ، أو يظن أنه تجاوز هذه المرحلة وله عنها استغناء ، أو لا يستطيع الانسجام مع الآخرين ، أو لأسباب أخرى، وسبب هذا التسهيل أننا نعتقد بأن الوعي لا يأتي بالإكراه، وأن التبرم والتافق يفسدان الجلسة، وقد يضطره ذلك لإعلان زهده بما يسمع فيكون من ذلك التشبيط للآخرين ، في مفاسد أخرى ، ولذلك تتوسع في قبول اعتذار المعتذرين ، ونهب بضاعتنا للراغب الحريص فقط، الذي يأتي بنية الاستماع والسؤال والمناقشة، ويرجع وهو من الشاكرين. وإنما نعني قبول اعتذار من بزهد بالدراسة كلها ، ولا نسمح له بأن يقبل المشاركة ثم يتغيب جزئيا ويحضر مرة ويغيب مرات، كحق ممنوح له ولو بدون عذر قاهر، فإن هذا النمط من التخلخل يولد اضطرابا للإدارة والمحاضرين والدارسين، ويغري بانحلال العزائم وكثرة الترخص، فمن نوى الصبر فبها ونعمت، ومن أضمر التقطيع فلينقطع ابتداء ، ولينتظر المستقبل، لعل ظروفه تتحسن وهمته تقوى ، وسيبقى أخا عزيزا، ومن أقبح الجهالة أن يتكبر محاضر أو مشارك على إخوان له في الصف رشحوا فاعتذروا مهما كانت الأسباب.
* الخامس: تجزئة رحلة التطوير إلى مراحل ومواسم ، لأن طولها الممتد يؤسس شيئا من الممل في النفوس ، ربما ولا يستطيع كل أحد الإنتظار والصبر، وخير الحلول: أن تقسم الدراسة إلى أربعة فصول، وبين كل فصلين راحة وتفرد أو تخلط العارف في الفصل الواحد، تبعا لأسباب ، وتكون كثافة  الدروس وكثافة تنفيذ الفعاليات خلال الفصل الواحد متباينة ، وهذه مسائل تختلف من بلد إلى بلد، وصيفا وفي الشتاء، وتؤثر فيها طبيعة مهن المشاركين ، وعلى أي حال فإن التقسيم إلى فصول ليس هو مجرد تسميتها فصولاً، وإنما يترجم ذلك في صورة توزيع للدروس إلى أربع كميات تضبطها جداول تنفيذية متناسقة ومتدرجة.
* السادس: ضرورة ( التقويم ) ووزن المشاركين في آخر الدراسة، ووصف مدى انتفاعهم ونجاحهم في الاستفادة من معطياتها ومن الفرصة التي أتيحت لهم. وهذا التقويم هو عملية لأزمة مرتبطة أرتباطا وثيقا بالمتابعة الإدراية اليومية، ويعتبر خاتمة لها وتتويجا للاهتمام التطويري ، لكي يجازي المتوكل المحسن وتتاح له مجالات الارتقاء وتسند إليه المهمات، ولتعاد الكرة مع الكسول المتواكل ونتريث في تكليفه بشيء، وليس هذا التقويم في نهاية الدراسة فقط، بل يجب أن يتم في نهاية كل فصل من الفصول الأربعة ، وتوضع معايير للنجاح ودرجات وأوصاف.
            لكن الدعوة الإسلامية دعوة أخلاق وتكريم للنفوس ، ولذلك لا يقاس النجاح بعدد ركعات وختمات، وإنما بآثار تبدو على الداعية تطبعه بطوابع الرقة والعفاف والحياء والنبل والكرم وخفض الجناح، وتتدخل الفراسة في تقدير وجود هذه الآثار تدخلا كبيرا ، وربما ميزت ما هو من التدين الفعلي أو التكلف الذي يدل على بقية كدر في القلب، وهذه الفراسة حق للمربين لا يمكن أن تنتزعه منهم دعوى متشبه أو مستشرف.
            وكذلك الفهم العملي المعرفي ، لا يقاس النجاح فيه بعدد كتب بطالعها المشارك أو حفظ لنصوص، وإنما هي لمعة فكرية توجد فيه تفصح عن استعداد للاجتهاد والفهم الحر وتدل على أنه ليس بالمقلد المردد. وهذه اللمعة تراها الفراسة إذا لمعت ، وقد لا ينتبه البعض إلى أن جهة من الجهات ليس فيه وميض يدل على قدح ، أو قد لا يلاحظ آخرون أن ركنا من الأركان لم تنطلق منه شرارة تنبي عن استعداد ثواره، ولكن الإمارة بتجربتها قد تنتبه ونلاحظ وترصد علاقات الخمول هذه فتحكم بأحكام يستغربها الظاهرون ، وحكمها هو من حقها في الاجتهاد ، والذهن الحي له اتقاد يبهر الأبصار سناه، وله صوت يفرع الألباب صداه.
* السابع: ضرورة تناسب كثافة الواجبات مع ظروف كل مشارك، فإن كل نشاط مكلف بواجبات كثيرة ، ثم تأتي خطة التطوير فتضيف عليه مثلها، فيكون حمله ثقيلا، والمفروض أن تراعي الإدارة ذلك فتأمر بما هو في حدود الاستطاعة ، وتفسر منهج التطوير بالحسنى، فإن الإرهاق يولد النتائج العكسية وإذا أردت أن تطاع فلتأمر بما يستطاع.
            إن الصاعد الجيد المستوى الذي يعيش ظروفا عادية يمكن أن يكلف بكثافة ، وأن نلزمه بالعزائم ونقطع عليه طريق الرخص، ولا بأس بإتعابه ، فإن المعركة تتطلب التعب والسهر، ولكن آخرين تتعبهم مهنهم ، وعليهم واجبات وظيفية مضاعفة، وفي ظروفهم العائلية تعقيد ، ومن اللازم أن تخفف عنهم، وأحيانا تكون الظروف العامة كلها في بلد من البلدان أصعب من البلاد الأخرى ، وفي هذه الحالة يكون من السائغ  الخفيف عن الجميع ، والقاعدة في ذلك: أن نفهم أن البذل أصل، وأن أخذ الدعاة أنفسهم بالشدة واجب، ولكن الضرورات تبيح المحظورات  ، وتقدر كل ضرورة بقدرها، ولأولاد الداعية وزوجة حقوق ، والنفس تشتهي الراحة أحيانا ، وفي إجابتها إلى ذلك مصالح، وفي التنطع بأس ، والشيطان يفرح بالإفراط والمبالغة فرحة بالتفريط ، ومجازات المواعظ إنما نطلقها لحث وليست هي من المواد القانونية الصارمة، وليس يصعب على من يتحرى الإنصاف أن يكتشف معاني التعامل النسبي، وأن يتصلب مع همام ويلين مع آخر في آن واحد ، يحسب ظروفهما ، واستعداداتهما ، وبين الاثنين ثالث يليق له التوسط والاعتدال. 

* مقتطفات من كتاب معا نتطور لمحمد احمد الراشد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق