21‏/01‏/2012

قصة «شورى الإخوان».. من الإسماعيلية إلى جبل المقطم



قصة «شورى الإخوان».. من الإسماعيلية إلى جبل المقطم
عند الصعود إلى قمة جبل المقطم بوسط القاهرة، يجد المارة لوحات إرشادية وضعت حديثاً، وتوزعت على الطريق تشير إلى «المركز العام للإخوان المسلمين».. في طريقي إلى المقرّ تجاوزت اللوحة الأخيرة وسألت أحد باعة المرطبات عن شارع (10)، فبادرني بالقول: تريد المقرّ العام للإخوان؟ ثم دلّني على الطريق منهياً كلامه بدعاء: «ربنا يوفقكم». المبنى الفخم المكون من سبعة طوابق، والمطل على شارعين، افتتح الأسبوع الماضي ليكون المقر الرئيس لجماعة الإخوان؛ بخلاف عشرات المقرات التي جرى افتتاحها في مختلف المحافظات بعد ثورة 25 يناير، لتعيد إلى الأذهان صورة مقرات الجماعة التي أغلقت قبل أكثر من نصف قرن، عاش خلالها الإخوان المحن الشديدة حتى أذن الله سبحانه بإشراق شمس الحرية بعد الثورة. في هذا المبنى، جرى أول اجتماع علني لمجلس شورى الإخوان بعد أكثر من نصف قرن أيضاً من الاجتماعات غير المعلنة، وقد حُسم فيه أحد أهم القرارات التي سيكون لها تأثير كبير على مسيرة الإخوان في المرحلة المقبلة؛ وهو القرار الخاص بإنشاء حزب سياسي، واعتماد برنامج الحزب ولائحته. وثائق تاريخية تشير الوثائق التاريخية إلى أن الإخوان المسلمين مارسوا الشورى منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وبعد مضي سنوات قليلة على قيام الجماعة عام 1928م.. فقد انعقد مجلس الشورى العام الأول عام 1351هـ/ 1933م بمدينة الإسماعيلية، ثم انعقد المجلس الثاني في عام 1352هـ/ 1934م في بورسعيد، وكان يضم أعضاء مكتب الإرشاد وممثلين عن الشُّعب القليلة التي كانت موجودة آنذاك، ثم بدأ عقْد المؤتمرات العامة كل سنتين لتستوعب أعداداً أكبر من الإخوان، حيث شارك في المؤتمر السادس عام 1941م (2000) ألفا ممثل للشُّعب والمناطق، وبعد أن اقتربت نيران الحرب العالمية الثانية من مصر، انقسمت اجتماعات ممثلي الشُّعب نظراًً لصعوبة عقد الاجتماعات الكبيرة وقت الحرب. وفي عام 1945م، توقفت المؤتمرات العامة، وظهرت الهيئة التأسيسية، وتواصلت اجتماعاتها حتى عام 1954م، حيث بدأ البطش الناصري بالإخوان، بعد عام 1954م، مرت الجماعة بمحنة قاسية فرقت جميع أعضائها بين سجين ومغترب عن الوطن، وكان كل فريق يمارس العمل وفق ما تسمح به الظروف، وحين عادت الجماعة تلم شمل أبنائها، تولت مجموعة من الإخوان الذين بذلوا الوقت والجهد للقيام بعملية إعادة البناء، وإدارة شؤون الجماعة، ثم تشكل مكتب الإرشاد، وأُعلن «عمر التلمساني» مرشداً للجماعة، وكان اختيار مسؤولي المحافظات وأعضاء مجلس الشورى يتم بالتوافق بين قدامى الإخوان المشغولين بأمر الدعوة. وفي عام 1990م، جرى لأول مرة بعد محنة 1954م انتخاب مجلس الشورى، وقد وافق ذلك المجلس على اللائحة التي تنظم العمل داخل الجماعة، وانتخاب المسؤولين فيها، وصولاً إلى المرشد العام، وتواصلت اجتماعات الشورى مرتين كل عام حسب اللائحة، وفي عام 1994م صدرت لائحة جديدة. شورى 1995م.. والمحاكمات العسكرية كان اجتماع مجلس الشورى الجديد يوم 19 يناير 1995م نقطة فارقة في مسيرة الجماعة، وفي موقف نظام «مبارك» من الإخوان؛ فبعد ذلك الاجتماع بيومين بدأت حملة اعتقالات واسعة لعشرات من قيادات الإخوان، استمرت عدة أشهر حتى جرت محاكمتهم أمام المحاكم العسكرية قبل الانتخابات البرلمانية التي جرت نهاية العام نفسه، وقد حُكم على العشرات من أعضاء مكتب الإرشاد وأعضاء الشورى ومسؤولي المكاتب الإدارية بالمحافظات بالسجن ما بين 5 و3 سنوات. تكسير مفاصل الجماعة: إزاء هذا الوضع الذي كان يستهدف تكسير مفاصل جماعة الإخوان وشل حركتها، والفصل بين القيادة والقاعدة بإحداث فراغ في الوظائف يستمر سنوات، لجأ مكتب الإرشاد إلى المادة (32) من لائحة الجماعة التي تنص على: أنه «في حالة تعذر اجتماع مجلس الشورى لأسباب اضطرارية، يتولى مكتب الإرشاد جميع اختصاصاته».. وبسبب الحملات المستمرة ضد الإخوان لم يُدع مجلس الشورى للاجتماع بكامل هيئته، وتولى مكتب الإرشاد القيام بأعمال مجلس الشورى، وإن كان يتم التشاور مع أعضاء المجلس بطريقة فردية أو شبه جماعية، كما تمت عملية انتخاب مجلس الشورى أكثر من مرة، وتولت تلك المجالس المتعاقبة انتخاب المرشدين السابقين «مصطفى مشهور»، و«محمد المأمون الهضيبي» يرحمهما الله، و«محمد مهدي عاكف»، وكان يجري الحصول على موافقة مجلس الشورى دون أن يجتمع بكامل هيئته. وقد أضيفت للائحة مادة تقول: «إذا رأى المكتب إمكانية قيام مجلس الشورى ببعض اختصاصاته مع تعذر اجتماعه، فللمكتب أن يحدد الآلية المناسبة للقيام بذلك». وفي العام الماضي 2010م، جرت انتخابات مكتب الإرشاد وانتخاب المرشد الجديد «د. محمد بديع»، وقد أثارت تلك الانتخابات جدلاً كبيراً حول تفسير اللائحة، وأيهما يأتي أولاً؛ انتخابات مجلس الشورى أم انتخابات المرشد ومكتب الإرشاد؟ وانتهى الأمر إلى انتخاب مكتب الإرشاد أولاً ثم انتخابات مجلس الشورى. وكان أبرز قرارات مجلس الشورى بتشكيله الجديد قرار مقاطعة جولة الإعادة لانتخابات مجلس الشعب التي جرت العام الماضي، بعد التزوير الفاضح الذي جرى في الجولة الأولى، بحيث لم ينجح مرشح واحد من الإخوان، وقد كان تزوير الانتخابات أحد الشرارات التي أشعلت ثورة الغضب ضد النظام السابق التي انتهت بخلعه. عضوية الشورى ووفق اللائحة، يتكون مكتب الشورى من عدد لا يقل عن 75 عضواً، ولا يزيد على 90 عضواً، يُختارون بطريق الاقتراع السري من بين أعضاء مجالس شورى المحافظات، إلى جانب جميع أعضاء مكتب الإرشاد الحاليين، وما لا يزيد على 15 عضواً يجوز لمكتب الإرشاد تعيينهم، وينضم إليهم كل من سبق توليه عضوية مكتب الإرشاد مدةً لا تقل عن عامين ما لم يكن زوال عضويته من المكتب لأسباب فقْد الصلاحية. وتصدر قرارات المجلس بأغلبية الأعضاء الحاضرين، وذلك فيما عدا الأحوال التي يشترط فيها نصاب خاص، فيجب توافر النصاب المشروط، وفي حالة تساوي الأصوات يعتبر الموضوع محل الاقتراع غير موافق عليه، ولا يعتبر صوت المرشد مرجحاً. يتكون مجلس الشورى الحالي من 120 عضواً؛ حضر منهم الاجتماع الأخير 107 أعضاء، واعتذر 11 عضواً لمرض أو سفر أو ظروف طارئة، وتغيّب اثنان هما: د. محمد حبيب، ود. عبدالمنعم أبو الفتوح. اجتماع خاص بالحزب وتنص اللائحة الحالية على أنه «في غير حالات الضرورة يطلب مكتب الإرشاد تصديق مجلس الشورى على قرارات المكتب المتعلقة بالمشاركة في الحكم أو في الانتخابات العامة أو إنشاء حزب أو غيرها مما له أهمية خاصة».. وبناءً على ذلك، جرى عقد اجتماع مجلس الشورى الأخير، في دورة الانعقاد الرابع لمجلس شورى الإخوان ما بعد 1952م، لمناقشة العلاقة بين الجماعة وحزب «الحرية والعدالة» الذي قررت الجماعة إنشاءه. وقد اعتمد مجلس الشورى برنامج الحزب ولائحته مع إجراء التعديلات اللازمة، وقرر أن يعمل الحزب مستقلاً عن الجماعة، وينسِّق معها بما يحقق مصالح الوطن.. كما انتخب مجلس الشورى ثلاثة من أعضاء مكتب الإرشاد للمناصب القيادية للحزب، وهم: د. محمد مرسي، رئيساً للحزب، ود. عصام العريان، نائباً لرئيس الحزب، ود. محمد سعد الكتاتني، أميناً عامّاً للحزب، على أن يترك كلٌّ منهم مسؤولياته في مكتب الإرشاد.. وقد يثير هذا الاختيار تساؤلاً حول سيطرة الجماعة على الحزب بتدخلها في تشكيلاته، وكان الرد بأن التدخل هذه المرة استثنائي بسبب عدم وجود هياكل للحزب، أما بعد قيام مؤسسات الحزب فستترك لها مناقشة كل ما يتعلق بالحزب، كما أن الحزب، شأنه شأن كثير من الأحزاب المصرية، ستكون له مصلحة في التنسيق مع الجماعة ذات الشعبية والثقل الجماهيري. وبترك ثلاثة من أعضاء مكتب الإرشاد لمناصبهم، سيجتمع مجلس شورى الإخوان مرة أخرى لانتخاب من يحل محلهم. وقد أعلن د. الكتاتني أمين عام الحزب أنه سيتم تقديم أوراق الحزب خلال أيام، بعد أن تجاوز عدد التوكيلات التي حصل عليها باعتباره وكيلاً للمؤسسين سبعة آلاف توكيل. وبعد شهر من تقديم الأوراق حسب المهلة المحددة تنطلق أنشطة الحزب بشكل رسمي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق