21‏/01‏/2012

فضائل مصر ومزايا أهلها (9 - 11) مصر في أقوال العلماء والأدباء



فضائل مصر ومزايا أهلها  (9 - 11)  مصر في أقوال العلماء والأدباء
قد كثر الحديث عن فضل مصر من العلماء والأدباء، وبعضه حديث لطيف اصطفيت شيئاً منه وتركت البحر الزاخر، فمن ذلك: قال ابن الكندي المصري: فضَّل الله مصر على سائر البلدان، كما فضل بعض الناس على بعض، والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضل على ضربين: في دين أو دنيا، أو فيهما جميعاً، وقد فضل الله مصر وشهد لها في كتابه؛ بالكرم وعِظم المنـزلة، وذكرها باسمها، وخصها دون غيرها، وكرر ذكرها، وأبان فضلها في آيات من القرآن العظيم، تنبئ عن مصر وأحوالها، وأحوال الأنبياء بها، والأمم الخالية، والملوك الماضية، والآيات البينات، يشهد لها بذلك القرآن، وكفى به شهيداً، ومع ذلك رُوي عن النبي [ في مصر وفي عَجَمها خاصة - أي القبط - وذكره لقرابته ورحمهم، ومباركته عليهم وعلى بلدهم، وحثه على برهم ما لم يُرو عنه في قوم من العجم غيرهم.. مع ما خصها الله به من الخصب والفضل، وما أنزل فيها من البركات، وأخرج منها من الأنبياء والعلماء والحكماء والخواص والملوك والعجائب بما لم يخصص الله به بلداً غيرها، ولا أرضاً سواها. فإن ثَرّب علينا مُثرِّب بذكر الحرمين، أو شَنّع مُشنع، فللحرمين فضلهما الذي لا يُدفع، وما خصهما الله به مما لا ينكر، من موضع بيته الحرام، وقبر نبيه عليه الصلاة والسلام، وليس ما فضلهما الله به بباخسٍ فضلَ مصر، ولا بناقص منزلتها، وإن منافعها في الحرمين لبينة، لأنها تُميرهما بطعامها وخصبها وكسوتها وسائر مرافقها، فلها بذلك فضل كبير، ومع ذلك فإنها تطعم أهل الدنيا ممن يرد إليها من الحاج طول مقامهم يأكلون ويتزودون من طعامها من أقصى جنوب الأرض وشمالها ممن كان من المسلمين في بلاد الهند والأندلس وما بينهما، لا ينكر هذا منكر، ولا يدفعه دافع، وكفى بذلك فضلاً وبركة في دين ودنيا. بلد عظيم وقال ابن ظهيرة المخزومي يرحمه الله تعالى: وأما القاهرة بالخصوص، فبلد عظيم الشأن، وكرسي الإمام وبغية الإسلام، والدليل على شرفها وعظمها اتخاذ الملوك لها داراً، وبيت المال بها قراراً، وجيوش الإسلام لها استقراراً، ورحل إليها ونشأ بها واستوطنها العلماء الأعلام، والسادة من أولياء الله الكرام، وأهل الفضائل والصناعات البديعة، والتجار، وسائر أصناف الخلق على اختلاف أجناسهم وأنواعهم، هم قاطنون بها لا يبرحونها، وأما المترددون للتجارة وغيرها فأكثر من أن يحصروا في عصر وزمان، وهي الآن أحق بقول أبي إسحاق الزجاج في بغداد: هي حاضرة الدنيا وما سواها بادية. قال صلاح الدين الصفدي: من شاهد الأرض وأقطارها والناس أنواعاً وأجناسا ولا رأى مصر ولا أهلها فما رأى الدنيا ولا الناسا وقال أيضاً: رأيت في أرض مصر مذ حللت بها عجائب ما رآها الناس في جيل تسود في عيني الدنيا فلم أرها تبيض إلا إذا ما كنت في النيل وقال زين الدين الوردي: ديار مصر هي الدنيا وساكنها هم الأنام فقابلها بتقبيل يا من يباهي ببغداد ودجلتها مصر مقدمة والشرح للنيل وقال شاعر مصر الكبير جمال الدين بن نباتة: دعاه لذكر الحمى مذهب وشوق أقام فما يذهب أمصرَ سقتك غوادي السرور وجادك من أُفْقها صَيِّب ذكرت زمانك حيث الوصال وحيث الصبا طيب طيب مزايا مصر وقد كتب زين الدين الواعظ الشامي المقرب إلى صلاح الدين والأثير لديه - وهو من أهل دمشق ومن ساكني مصر - إلى صلاح الدين أثناء وجوده بدمشق يشوقه إلى مصر، ويدعوه إلى «نيلها ونعيمها، وسلسبيلها، ودار ملكها، ودارة فُلْكها، وبحرها وخليجها، ونَشْرها وأريجها - أي طيب رائحتها - ومقياسها وأنيس ناسها، وقصور معزها، ومنازل عزها، وجيزتها وجزيرتها، وخِيرتها وجِيرتها، وبِرْكتها وبَرَكتها، وتعلق القلوب بقليوبها، واستلاب النفوس بأسلوبها، وملتقى البحرين، ومرتقى الهرمين، وروضة جنانها، وجنة رضوانها، ومساجدها وجوامعها، ومشاهدها ومرابعها، ونواظر بساتينها ومناظر ميادينها، وساحات سواحلها وآيات فضائلها، ورحاب شوارعها، وطيب طويتها، ومجرى فلكها ومرساها، وعجائب بناها وغرائب مبناها، وكياسة أخلاقها ونفاسة أعلاتها، وشتاؤها في الفضل ربيع نضير، وغبارها عبير، وماؤها كوثري، وترابها عنبري».. ما أحسن هذا الوصف وما أجمله!! وقال شاعر العروبة والإسلام أحمد محرم: بِراً بمصر، ومصر أعظم حرمةً من أن يضيع رجاؤها المنشودُ إلا يكن مجدٌ أشم وسؤددٌ فحياة شعبٍ صالحٍ ووجودُ شدّوا القلوب على الإخاء، فإنها مصر، وإن بلاءها لشديدُ أنرى الممالك كلّ يومٍ حولنا تسعى، ونحن على الرجاء قُعودُ؟ الأمرُ مشتَركٌ، ومصرُ لنا معاً في العالمين منازلٌ ولحودُ والنيلُ إن حمل القذَا وإذا صفا فهو الحياةُ ووِردُها المورود زعم العِدَا أنّا نَعُقُّ بلادنا زعمٌ لعمر الأمّتَيْنِ بعيدُ من كان يحكم أن نعيش أذلة بين الشعوب، فحكمه مردود لا نعرف اليأس المُميت، ولا نرى أن الحياةَ سبيلُها مسدودُ أيهانُ للأهرام مجدٌ باذخٌ ويُضام تأريخ لمصر مجيدُ؟ إن تَبْكِ مصر على مُؤثَّلِ مجدها فلسوف يرجع عالياً ويعود وقال أيضاً: نحن حِزبُ الله صُناً حَقَّه وحفظنا عهده في الناكِثين نحن بايعناه مذ كنا على نصرة الحق، وكنا فاعلين إن غضبنا أو رضينا فله لا نبالي تُرّهات المُرجفين نحمل الأقلام غُراً، ولنا صُحُفُ الأبرار بين الكاتبين ما الأَلِبَّاءُ كضلاَّل النُّهى لا، ولا الأحرار كالمستعبدين ما رضينا خُطّةَ الغاوي، ولا عابنا شأن الذّليلِ المستكين يا لقومي جاهِدوا لا تَهنوا وسيأتي الله بالنصر المبين أَنْجدوا مِصَر إذا ما فَزعتْ وأهابت بالكُماة الباسِلين احفظوها، إن مِصر إن تَضِعْ ضاع في الدنيا تراث المسلمين وقد نظم شاعر النيل حافظ إبراهيم قصيدة في مدح مصر طويلة، أجتزئ منها التالي: وَقف الخلق ينظرون جميعاً كيف أبني قواعد المجد وحدي وبُناةُ الأهرام في سالف الدهـ ـر كَفَوْني الكلام عند التحدي أنا تاج العلاء في مفرق الشـ ـرق ودُرَّاته فرائد عقدي أي شيء في الغرب قد بَهَرَ النا سَ جمالاً ولم يكن منه عندي؟ ورجالي لو أنصفوهم لسادوا من كهولٍ ملء العيون ومُردِ لو أصابوا لهم مجالاً لأبدوا مُعجزات الذكاء في كل قَصْدِ أنا إن قَدَّر الإله مماتي لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي ما رماني رام وراح سليماً مِن قَديمٍ عِناية الله جُنْدي كم بَغَتْ دَوْلَةٌ عليّ وجارَتْ ثمّ زالَتْ وتلك عُقبى التَّعَدِّي قُل لِمَنْ أنكَرُوا مَفاخِرَ قَومي مِثلَ ما أنكَرُوا مآثِرَ وُلْدي هَلْ وَقَفْتُم بقمَّةِ الهَرَمِ الأكبـ ـبر يوماً فرَأيْتُمُ بعضَ جُهْدي؟ هَلْ رَأَيْتُمْ تلك النُّقوش اللواتي أعْجزت طَوْق صنعةِ المتحدِّي؟ حالَ لَونُ النهار مِن قِدَم العهـ ـد وما مس لونَها طولُ عهدِ هل فهمتم أسرار ما كان عندي من علوم مخبوءةٍ طَيَّ بَرْدي؟ ذاك فن التحنيط قد غَلَب الدهـ ـر وأبْلى البِلى وأَعْجَزَ نِدِّي وقديماً بنى الأساطيل قومي ففرقن البحار يَحملن بَنْدي أتراني وقد طَوَيْت حياتي في مراسٍ لم أبلغ اليوم رشدي؟ أيُّ شعب أحق مني بعيشٍ وارف الظل أخضر اللون رغد؟ أمنَ العدل أنهم يردون الـ ـماء صفواً وأن يُكَدَّرَ وِرْدي؟ أمنَ الحق أنهم يطلقون الـ ـأُسْدَ منهم وأنْ تُقَيَّدَ أُسْدي؟ فاستبينوا قصد السَّبيل وجِدُّوا فالمعالي مَخطوبة للمُجِدِّ وقد دعا الأستاذ محب الدين الخطيب - يرحمه الله تعالى - ابن أخته الشيخ علي الطنطاوي - يرحمه الله تعالى - إلى مصر فقال الشيخ علي: «إنكم لا تدرون ماذا أثارت هذه الدعوة في نفسي من مشاعر، وفي ذهني من خواطر. كانت مصر في خيالنا يومئذ دنيا مسحورة، فيها العجائب، وكل مرغوب فيه يأتينا منها: المجلات والصحف، الحركات الفكرية والوطنية تنبثق منها، الرجال الذين نقرأ لهم، والشعراء الذين نحفظ شعرهم منها، وكان تخيل ذهابي إليها أكبر من أن يمر وصفه من شق القلم، والتعبير عنه، مهما كان بليغاً، لا يبلغ حقيقته. وكنت أسمع أن الأحرار من أرباب الأقلام، ومن عشاق الحرية يؤمون مصر: أستاذنا محمد كرد علي، ومن قبله شيخ مشايخنا السيد رشيد رضا، ومن بعده خالي وأستاذي محب الدين، يأتون من كل مكان من المغرب من الجزائر من تونس من ليبيا. فلما طلب إليّ أن أسافر إلى مصر، تراءى لي هذا الحلم دانياً كأني ألمسه». وقد مرّ ابن بطوطة - يرحمه الله تعالى - بمصر في القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي، وركب النيل من دمنهور متجهاً إلى القاهرة فقال يصف عِظَم ما رأى: ومن هذه المدينة ركبت النيل مصعداً إلى مصر، ما بين مدائن وقرى منتظمة، المتصل بعضها ببعض، ولا يفتقر راكب النيل إلى استصحاب الزاد، لأنه مهما أراد النـزول بالشاطئ، نزل للوضوء والصلاة وشراء الزاد وغير ذلك، والأسواق متصلة من مدينة الإسكندرية إلى مصر، ومن مصر إلى مدينة أسوان من الصعيد. ثم وصلت إلى مدينة مصر: هي أم البلاد، وقرارة فرعون ذي الأوتاد، ذات الأقاليم العريضة والبلاد الأريضة، المتناهية في كثرة العمارة المتناهية بالحسن والنضارة، ومجمع الوارد والصادر، ومحط رحل الضعيف والقادر، وبها ما شئت من عالم وجاهل، وجاد وهازل، وحليم وسفيه، ووضيع ونبيه، وشريف ومشروف، ومنكر ومعروف، تموج موج البحر بسكانها، وتكاد تضيق بهم على سعة مكانها وإمكانها، شبابها يَجِدّ على طول العهد، وكوكب تعديلها لا يبرح عن منـزل السعد، قهرت قاهرتها الأمم، وتمكنت ملوكها من نواصي العرب والعجم، ولها خصوصية النيل الذي أجلّ خطرها، وأغناها عن أن يستمد القَطْرَ قُطْرُها، وأرضها مسيرة شهر لمجدّ السير، كريمة التربة، مؤنسة لذوي الغربة، قال ابن جزيء: وفيها يقول الشاعر: لَعمرك ما مصرٌ بمصرٍ وإنما هي الجنة الدنيا لمن يتبصَّر فأولادها الولدان والحور عِينُها وروضتها الفردوس والنيل كوثر هذه هي بعض المقتطفات في مدح مصر من كلام الشعراء والأدباء، وهي غيض من فيض، وقطرة من بحر .
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق