14‏/11‏/2011

وثيقة "السّلمي" لتمكين الجيش المصري.. ضمانة دستورية أم خطة عسكرية؟


في 28 أكتوبر 2011، عاد المصريون للتظاهر في ميدان التظاهر والتهديد بأن "الحل في ثورة 25 يناير 2012" مثلما جاء في بعض اللافتات المرفوعة.
التعليق على الصورة:
بقلم :  همام سرحان - القاهرة- swissinfo.ch

عاد الجدل في مصر مجدّدا، بعدما ظـنّ الجميع أنه قد ولّـى بِـلا رجعة، حول مُـقترحات تُـعفي الجيش من الرقابة المدنية وتمنحه صلاحيات سياسية في الدستور القادم، تضمن استمرار تدخّـله في الحياة السياسية، حتى بعد استقرار الأوضاع وانتخاب البرلمان وتشكيل حكومة وطنية وانتخاب رئيس مدني للبلاد..


وجاء ذلك من خلال "وثيقة المبادئ الدستورية"، التي اقترحها الدكتور علي السلمي، نائب رئيس الوزراء، ورفضتها كل الأحزاب والقِـوى والحركات والائتلافات السياسية، عدا أحزاب التجمّـع والوفد والجبهة.

وفيما يرى خبراء ولاعبون أساسيون في العملية السياسية بمصر أن هدف هذه الوثيقة يتلخّـص في تقليص دوْر وحقّ البرلمان القادم في اختيار أعضاء اللجنة التأسيسية، التي سيوكل إليها مهمّـة وضع دستور جديد للبلاد، فإن مراقبين يرون أن الجيش يعتزِم الحفاظ على المزايا التي كان تمتّـع بها في ظل نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، خاصة فيما يتعلق بمنع البرلمان من مناقشة تفاصيل ميزانية الدفاع.

وفي المقابل، هدّد حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين وخلفه كل القوى والأحزاب والائتلافات والحركات السياسية، بأنه في حال إصرار المجلس العسكري على الأخذ بوثيقة السِّـلمي، فإنه سيقوم بتنظيم احتجاجات شعبية واسعة، تصل إلى مليونيات حقيقية وتاريخية، تبدأ بمليونية الجمعة 18 نوفمبر الجاري، على أن تزيد الاحتجاجات وتتصاعد، لتصل إلى إعلان ثورة جديدة لإسقاط المجلس العسكري في 25 يناير 2012 المقبل.

السفير الدكتور عبد الله الأشعل، المساعد الأسبق لوزير الخارجية، والمرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية.
السفير الدكتور عبد الله الأشعل، المساعد الأسبق لوزير الخارجية، والمرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية. (swissinfo)

فارق بين الجيش والمجلس العسكري

يستهل السفير الدكتور عبد الله الأشعل، المساعد الأسبق لوزير الخارجية حديثه قائلا: "لابد أن نفرِّق بداية بين الجيش والمجلس الأعلى للقوات المسلحة. فالجيش، هو المؤسسة العسكرية الوطنية التي تحمي حدود البلاد ولا تتدخل في شؤون السياسة. أما المجلس العسكري، فهو الذي يُـدير شؤون البلاد في هذه المرحلة الانتقالية من تاريخ مصر، ما بين إسقاط الثورة للنظام المباركي البائد وانتخاب رئيس مدني لمصر".

وأوضح الأشعل، المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية في تصريح خاص لـ swissinfo.ch، أن "كل القوة السياسية الحقيقية في مصر، تنظر إلى الجيش على أنه مؤسسة وطنية وجزء من السلطة التنفيذية، ولكن ليس له صفة تشريعية أو سياسية. أما المجلس العسكري، فهو الذي تطوّع بحمل الأمانة وقام بهذه المهمّـة، على أساس تنفيذ أهداف الثورة. لكن أداءه خلال المدة المنقضية أعطى انطباعا قويا بأنه يحمي النظام القديم ويعرقل خُـطى النظام الجديد، رغم أنه يتظاهر بأنه حمَـى الثورة"، متسائلاً "حماها مِـمّـنْ؟ فلم يكن هناك عَـدو للثورة لكي يحميها الجيش".

وأشار الأشعل، إلى أن "المجلس العسكري لم ينسجِـم مع الشعب المصري، لأنه يراه صمّـام الأمان للولايات المتحدة وإسرائيل، من حيث أنهما لا يستطيعان التعامل المباشر مع الشعب المصري، الذي صنع الثورة، فقام المجلس العسكري بدور الوسيط. كما أن مشكلة المجلس أنه لا يرى أحدا أمامه ويراهن على أنه لا يمكن للشعب أن يقوم بثورة جديدة". معتبرا أن "المجلس قام بعملية تبريد الثورة وانحاز للنظام السابق".

وقال: "قد كشفَـت وثيقة السِّـلمي عن مخطط مرسوم لفرض سيطرة وتغلغل المجلس العسكري في شؤون البلاد. فهناك فرْق بين أن ينفرِد الرئيس استثناءا بإجراء صفقات التسليح، وأن يقوم بأخذ العمولات على هذه الصفقات، وليس هناك بالدستور ما يعطيه هذا الحق"، مشيرا إلى أن "وثيقة السلمي تلزم رئيس الدولة بعدم أخذ قرار الحرب، إلا بعد موافقة المجلس العسكري".

مخاوف من وصول الإسلاميين للسلطة!

وأضاف الأشعل: "كما تكشف وثيقة السِّـلمي أيضا عن دور المجلس العسكري في إدارة الجيش والميزانية، بل وتجعله فوق البرلمان، فضلاً عن إثباتها دورا له في وضع الدستور، وهو ما يعني أنه إذا اتفقت لجنة وضع الدستور على إضافة أو حذف أو تعديل مادّة معيّـنة، وكان هذا العمل لا يروق للمجلس العسكري، فمن حقّـه أن يشكل لجنة أخرى غيرها لوضع الدستور"، موضحا أنه "باختصار شديد، فإن المجلس العسكري يخشى أن يصل الإسلاميون إلى السلطة فيقومون بتشكيل لجنة لوضع الدستور على هَـواهُـم، فيريد أن يعطي لنفسه سلطة سحْـب هذا الحق منهم في أي وقت".

وكشف الأشعل عن أن "الرسالة التي أراد المجلس العسكري أن يوصِـلها إلى الشعب من خلال وثيقة السلمي، مفادُها أن الشعب لا يستطيع أن يحكُـم نفسه بنفسه، وأنه لابد من أن يقوم الجيش بالوصاية عليه، وهو ما يعني أنهم (أي المجلس العسكري) يريدون أن يعيدوا إنتاج نظام وصاية الجيش على الشعب، التي طُبِّـقَت في البلاد عقب ثورة 23 يوليو 1952".

وقال: "كنا في اجتماع موسّـع حضره ممثلون عن مختلف الأحزاب والقِـوى السياسية وعدد من المرشحين المُـحتملين للرئاسة، لمناقشة الخطوات الإجرائية للرد على وثيقة السِّـلمي، وقد اتفقنا على: رفض وصاية المجلس العسكري على الشعب والجيش والميزانية والبرلمان ووضع الدستور. ورفض أن يقوم السِّـلمي في هذه المرحلة بدور المُحَلِل للمجلس العسكري".

وأضاف: "أبلغْـنا المجلس العسكري بموقفنا، وسننظُـر، فإذا وافق المجلس على قرار القوى الوطنية وألغى وثيقة السلمي أو أقاله، فسينتهي الأمر، وإلا سيتم التصعيد من خلال الدعوة لمليونية 18 نوفمبر، فإن لم تُفلح، فستكون الثورة الثانية في 25 يناير 2012 لإسقاط المجلس العسكري".

القيادي الإخواني، صبحي صالح، عضو لجنة تعديل الدستور، ومرشح حزب الحرية والعدالة على رأس قائمة شرق الإسكندرية.
القيادي الإخواني، صبحي صالح، عضو لجنة تعديل الدستور، ومرشح حزب الحرية والعدالة على رأس قائمة شرق الإسكندرية. (swissinfo)

مليونية تاريخية ثم ثورة جديدة؟!

من جهته، يرى صبحي صالح، القيادي الإخواني والمحامي السكندري أن: "المجلس العسكري يحاول أن ينسخ لنفسه نسخة من النظام التركي العِـلماني، رغم أن الشعب التركي نفسه عدل من أوضاعه. ومشكلة المجلس العسكري، أنه يصادر على الشعب حقّـه. وفي حال قبوله بما قدّمه الدكتور علي السلمي، فإنه سيرجع بمصر إلى ما قبل عام 1924، أيام دستور مصطفى كمال أتاتورك، الذي كَفَرَ بهِ شعبُه".

واعتبر الخبير القانوني صبحي صالح، عضو لجنة تعديل الدستور التي عيّـنها المجلس العسكري برئاسة المستشار طارق البشري في تصريح خاص لـ swissinfo.ch أن: "ما يقوم به المجلس الأعلى للقوات المسلحة، هو محاولة للعودة إلى الإستبداد بشكل غير مسبوق"، مشيرا إلى أن "القوى السياسية بمختلف تياراتها الفكرية، أعلنت بمنتهى الوضوح رفضها القاطع لوثيقة السِّـلمي".

وقال صالح، النائب الأسبق في مجلس الشعب في دورة عام 2005: "المجلس العسكري في نظرنا لا يقف خلْـف وثيقة السِّـلمي ولا يساندها، خاصة وأنه أعلَـن أنه لم يطلب منه كتابة مثل هذه الوثيقة، بل إن المجلس العسكري أعلن رفضه للمادتيْـن (التاسعة والعاشرة)، اللتين كان يريد السلمي أن يغري بهما المجلس"، معتبرا أن "وثيقة السلمي مرفوضة من الشعب بكل عناصره وقواه، ومن المجلس العسكري أيضا".
 
وأضاف صبحي صالح أن "السلمي أبى إلا أن يفضح نفسه ويُـلوِّث إسمه، بعدما كان يُقدم نفسه للشعب على أنه رمز من رموز الثورة، وظل لسنوات في فترة حُـكم المخلوع حسني مبارك يلعب دور المعارض، من خلال منصبه كنائب لرئيس حزب الوفد، بل ورئيس حكومة الظل التي شكّـلها حزب الوفد"، كاشفا أنه "قد انكشف أمره، بعدما تبنّـى موضوع هذه الوثيقة المُـسيئة، وظهر للعِـيان أنه يلتَـف على الثورة وعلى إرادة الشعب".

ونحن جادّون – يُكمل صالح - فيما قررناه مع القِـوى والأحزاب السياسية، من النزول إلى الشارع في مليونيات حقيقية وتاريخية، تبدأ من الجمعة 18 نوفمبر الجاري، تُـعيد للذاكرة المصرية مشهد مليونية الثورة في ميدان التحرير، والتي هزّت مصر وأسقطت النظام الفاسد، يتم التصعيد بعدها حتى نصل إلى إعلان ثورة ثانية في 25 يناير 2012 المقبل لإسقاط المجلس العسكري، ما لم يعلن صراحة رفضه لوثيقة السلمي والقبول بما أجمعت عليه القوى والأحزاب والإئتلافات والحركات الشعبية.
 
ويختتم صالح، القيادي بحزب الحرية والعدالة (الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين) ومرشح الحزب على رأس قائمة شرق الإسكندرية بالقول بأن: "المَـخرَج من هذا المأزق الذي وضعنا فيه السلمي، يكون بالكف عن حديث الفِـتنة. فإذا أصرّ السلمي على وثيقته، فإننا جميعا سنطالِـب بإقالته"، ولم يستبعد صالح "أن تكون هناك ضغوط على المجلس العسكري، سواء من الداخل أو الخارج، وأقصد بالداخل القِـوى العلمانية المرتبطة بالخارج، ويكفي أن تعلم أن أمام النائب العام تقرير كامل بالمستندات، يوضح مَـن دَفَـع ولمَـن دفَـع ولماذا؟".

خلافٌ على تفسير دور الجيش

وفي تعليقه على الموضوع، قال المحلل السياسي المصري أحمد تهامي، الخبير بالمركز القومي للبحوث الإجتماعية والجنائية: "هناك اختلاف في تفسير دور الجيش المصري في المرحلة الانتقالية ومصادر شرعية هذا الدور، ولكن هناك على الأقل اتِّـجاهان، أحدهما: يعتبر أن دور المجلس الأعلى للقوات المسلحة، هو مجرّد إدارة العملية الانتقالية، وصولاً إلى تسليم السلطة إلى حُـكم مدني ديمقراطي، واتجاه آخر: يري أن الجيش يتمتّـع بشرعية سياسية وشعبية تؤهِّـله لأن يكون حامياً للشرعية الدستورية والدولة المدنية، حتى بعد إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية".

وأضاف تهامي، الباحث الملتحق ببرنامج الدكتوراه في كلية الحكومات والعلاقات الدولية بجامعة درهام بالمملكة المتحدة في تصريح خاص لـ swissinfo.ch: "الرؤية الأخيرة تستلهم النموذج التركي، حينما كان الدستور التركي يؤكِّـد على الجيش باعتباره حارس الدولة العلمانية، وذلك قبل أن ينجح أردوغان في تقليص نفوذه في الحياة السياسية".

وتابع تهامي: "وفي ظل اختلال موازين القوى السياسية بين التيارات والقوى الإسلامية، التي تبدو مؤهّـلة أكثر من غيرها، لإحراز انتصارات انتخابية تؤهِّـلها لتشكيل الحكومة والسيطرة على البرلمان والإمساك بمفاتيح لجنة إعداد الدستور، وجدت القوى السياسية الأخرى أنه من المهِـم فرض قيود سياسية، من خلال فكرة المبادئ فوق الدستورية، لتعمل على تحجيم دور البرلمان القادم وتقليص صلاحياته التشريعية والرقابية، من خلال إصدار إعلان دستوري جديد".

واستطرد قائلاً: "وفي إطار هذه الأفكار، أخذت تلوح في الأفق إمكانية تمرير بعض القوانين التي تجعل المؤسسة العسكرية وميزانيتها شأناً داخلياً خاصاً بها، لا تخضع لأية سلطة من السلطات الأخرى للدولة، وهو ما تمثل في المادتيْـن التاسعة والعاشرة من وثيقة السلمي".

وكشف أحمد تهامي أنه "قد تبلورت توافقات بين القوى السياسية الإسلامية وكثير من المدوِّنين والثوار، الذين دخلوا في مواجهات مع الجيش في الفترة الماضية، على رفض الوثيقة وجرى التهديد بالحشود المليونية، وصولاً إلى القيام بمرحلة أخرى من الثورة، مما اضطر المجلس العسكري إلى طلب إعادة صياغة بعض مواد وثيقة السلمي، حتى يتم احتواء الغضب الناجم عنها". في مقابل ذلك، ترى بعضُ القوى الحزبية مثل التجمع والوفد والجبهة الديمقراطية، أن "هذه الوثيقة التي تكفل دوراً أكبر للجيش في مرحلة ما بعد الانتخابات، هي الحل الأمثل لمواجهة صعود القوى الإسلامية، مدعومة في ذلك بالخِـشية من تنامي نفوذ القوى الإسلامية في بلدان الثورات العربية الأخرى، مثل تونس وليبيا".

وخلُص تهامي إلى القول بأن "العلاقة بين مراكز القوة في النظام السياسي المصري بعد الإنتخابات، وهي البرلمان ومؤسسة الرئاسة والمؤسسة العسكرية، ستظل دوماً محل جدل وتنازع لفترة لن تقِـل عن عامين أو ثلاثة، حتى يتحقق الإستقرار في النظام السياسي، وقد تصل في بعض الأحيان إلى شِـبه نوع من أنواع الإنقلابات السياسية والدستورية، خصوصاً في ظل ضعف الثقة بين مكوِّنات الحياة السياسية ومخاطِـر فتح الملفّـات القديمة".

همام سرحان - القاهرة-

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق