26‏/10‏/2011

جهود سويسرا لاسترداد أموال مصر.. بين ارتياح رسمي وغضب شعبي!


لا زال الرأي العام في مصر وتونس وغيرها من بلدان الربيع الربيع مُصرّا على المطالبة باستعادة الأموال المنهوبة من طرف الحكام السابقين والمقربين منهم.
التعليق على الصورة: لا زال الرأي العام في مصر وتونس وغيرها من بلدان الربيع الربيع مُصرّا على المطالبة باستعادة الأموال المنهوبة من طرف الحكام السابقين والمقربين منهم. (Keystone)

أوضح الدكتور دومينيك فورغلر، السفير السويسري بالقاهرة، أن بلاده لم تقصِّـر في تقديم الدّعم اللازم لمصر نحو استرداد أموالها المهرّبة للخارج، بمعرفة الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك وأفراد عائلته ورموز نظامه.


ولفت الدبلوماسي السويسري إلى أن سويسرا كانت أول دولة في العالم أعلنت التحفّـظ على أرصدة آل مبارك ونظامه، بعد ساعة واحدة فقط من الإعلان عن تخلي مبارك عن السلطة يوم الجمعة 11 فبراير 2011.

وكشف فورغلر في تصريح خاص لـ swissinfo.ch أن هناك جهود مبذولة في هذا الصدد وهناك تواصل مستمر وجلسات عمل هنا وهناك، غير أن نظام سويسرا كدولة قانون يقتضي عدم ردّ الأصول المحتجَـزة، إلا إذا ما أثبتت التحقيقات النهائية أن هذه الأموال أصلها غيْـر قانوني وغيْـر مشروع.

الدكتور دومينيك فورغلر، السفير السويسري بالقاهرة
الدكتور دومينيك فورغلر، السفير السويسري بالقاهرة (Null)

سويسرا دولة قانون بالأساس

وفي ردّه على سؤال لـ swissinfo.ch حول: ماذا قدّمت سويسرا لمساعدة مصر – بعد الثورة - على استرداد أموالها المهرّبة، قال الدكتور دومينيك فورغلر، السفير السويسري بالقاهرة: "سويسرا هي الدولة الوحيدة التي قامت بتجميد الأموال المصرية، ولم يكن ذلك بأمر قانوني، إلا أنه كان موقفا سياسيا صريحا، ناتجا عن عدم وجود أي مصلحة لسويسرا في الاحتفاظ بودائع غيْـر مشروعة، لا يأتي من ورائها مصلحة، سوى الإضرار بصورة بلادنا ومركزها المالي".

وأضاف فورغلر: "لقد أثبتت سويسرا بالبُـرهان القاطع، أنها تملك الخِـبرة الطويلة في التعامل مع تلك النوعية من قضايا الفساد، كما أنها ألزمت نفسها منذ سنوات بالعمل في مجال استرداد الأصول المالية غير القانونية، وقامت بوضع إطار تشريعي متكامِـل، لتجنّـب نفسها أن تكون سببا في عمليات تهريب رؤوس أموال غير مشروعة".

وتابع السفير السويسري: "على مدى السنوات الـ 15 الماضية، أعادت سويسرا 1.7 مليار فرنك سويسري للشعوب التي عانت من أنظمة فاسدة، ولم يكن هناك مَـن أقدَم على مثل هذه الخطوة في الدول الأخرى أو بمثل تلك الأموال"، مشيرا إلى أن "مصر طلبت منا التدخّـل والمساعدة في مثل تلك القضايا، وخاصة مَـن أرسَـل تلك الأموال ومَـن استقبَـلها".

واستطرد فورغلر: "لقد كان قرارنا واضحا بالموافقة على العمل في تلك القضية، إلا أنه ينبغي إعطاء المحكمة وقتها في القيام بمهامّـها. فسويسرا دولة قانون، والأصول المحتجزة لا يمكن عودتها، إلا إذا ثبت أثناء التحقيقات أن أصلها غير قانوني"، معتبرا "أن سويسرا  بحاجة إلى دعم كامل من السلطات المصرية –الشريك القوي – لنا، كما أن العدالة في دولة القانون، هي القيمة الأكثر أهمية التي تتطلب التضحية من أجل تحقيقها بأسرع وقت ممكن".

واختتم بقوله: "إننا في تعاون مستمِـر داخل الإطار القانوني المتبادَل فيما يتعلق بالقضايا الجنائية، وكانت زيارة وفد خبراء من سويسرا وليختنشتاين لمصر في 10 و11 مايو 2011، جزء من هذا الإجراء، كما أن المناقشات كانت ثرية للغاية، حيث كانت متعلِّـقة الجوانب التقنية للعملية القضائية وإعداد محتوى التعاون الذي تمّ بناء على معايير هيلفيتيك. فالسلطات على اتصال دائم، كما أنه ينبغي على الوفد المصري زيارة سويسرا في القريب العاجل".

المستشار عاصم الجوهري مساعد وزير العدل لجهاز الكسب غير المشروع؛ ورئيس اللجنة القضائية لاسترداد أموال مصر
المستشار عاصم الجوهري مساعد وزير العدل لجهاز الكسب غير المشروع؛ ورئيس اللجنة القضائية لاسترداد أموال مصر (Null)

تحقيقات النيابة العامة بسويسرا

ومن جهته، أعلن المستشار عاصم الجوهري، مساعد وزير العدل لجهاز الكسب غيْـر المشروع ورئيس اللجنة القضائية المشكلة لاسترداد أموال مصر المنهوبة بالخارج، من أن اللجنة القضائية توصَّـلت إلى معلومات مؤكَّـدة، تُـفيد أن علاء وجمال مبارك نجلي الرئيس السابق حسني مبارك، لديهما ودائع ببنوك سويسرا تُـقدّر بحوالي 340 مليون دولار، أي ما يوازي حوالي 2 مليار جنيه، يمتلك منها علاء بمفرده 300 مليون دولار، وهو ما يشير إلى أنهما المالكان لمعظم الأموال التي جمَّـدتها سويسرا والتي تبلغ 410 ملايين فرنك سويسري.

وكشف الجوهري في بيانه عن مفاجأة بإعلانه عن أن السلطات السويسرية تجري حاليا تحقيقات قضائية ضدّ كل من علاء مبارك وعدد من رجال الأعمال، بشأن عدّة اتهامات، أبرزها اتهامهم بارتكاب جرائم غسل أموال وتكوين "تشكيل عصابي"، وذلك وِفقا لنصّ المادة 260 من قانون العقوبات السويسري.

ومن ناحيته، اتهم فريد الديب، محامي عائلة الرئيس السابق حسني مبارك، المستشار الجوهري بكشف أسرار التحقيقات، وتوعَّـد بتقديم بلاغ ضدّه للجِـهات المختصّـة، مشيرا إلى أن ما كشف عنه الجوهري، ليس جهدا من لجنة استرداد أموال مصر التي يرأسها الجوهري، وإنما هو نصّ ما ذكره علاء وجمال في التحقيقات التي أجرِيت معهما بمعرفة جهاز الكسب غيْـر المشروع، الذي يرأسه الجوهري.

وللتثبت من الأمر، اتصل مراسل swissinfo.ch بمصر بمكتب السفير السويسري بالقاهرة، الذي أكّـد أن السفارة لن تتطرّق إلى الوضع الخاص لكل شخص من الأشخاص الذين جُـمِّدت أموالهم، مشيرا إلى أن هناك فعلاً تحقيقات تجري في النيابة العامة السويسرية، عن احتمال تورّط أعضاء من آل مبارك في عمليات غسيل أموال، في الانضمام إلى تشكيل عصابي.

وقالت السفارة في تصريح خاص لـ swissinfo.ch "إن المحكمة الفدرالية السويسرية قد وضعت العديد من الإجراءات الخاصة بردّ الأموال غيْـر المشروعة، والتي من شأنها (الإجراءات)، إذا ثبت التورّط في تشكيل عصابي، أن تعفي الدولة الطالبة (مصر) من عبْء تقديم ما يثبِـت عدم مشروعية الأصول، وقد أثبتت التجربة أن هذا يمكن أن يؤدّي إلى إسراع عملية الاسترداد.

الدكتور حسام عيسى، عضو اللجنة القانونية لاسترداد ثروة مصر، والخبير الأكاديمي المتخصص في القانون الدولي
الدكتور حسام عيسى، عضو اللجنة القانونية لاسترداد ثروة مصر، والخبير الأكاديمي المتخصص في القانون الدولي (Null)

لجنة شعبية لاسترداد الأموال

وعلى الجانب المصري، أوضح الدكتور حسام عيسى، عضو "اللجنة القانونية لاسترداد ثروة مصر  أن اللجنة القانونية لاسترداد ثروة مصر، وهي لجنة شعبية، تشكّـلت قبل الإطاحة بالرئيس المخلوع حسني مبارك من السلطة، وكانت تستهدِف حصْـر ما تمّ تهريبه ومنع تهريب المزيد من الأموال للخارج وفتح هذا الملف الشائك، حفاظًا على ثروة مصر".

وأضاف: تشكلت اللجنة من كلٍ من: الدكتور محمد محسوب، عميد كلية الحقوق بجامعة المنوفية وأمين عام اللجنة، والدكتور محمد سليم العوا (المرشح المحتمل للرئاسة) والمستشار طارق البشري (النائب الأسبق لرئيس مجلس الدولة)، والمستشار الدكتور محمد أمين المهدي (رئيس مجلس الدولة الأسبق والقاضي بالمحكمة الجنائية) والدكتور علي الغتيت، (المحكم الدولي وأستاذ القانون الدولي ونائب رئيس الاتحاد الدولي للمحامين) والدكتور فؤاد عبد المنعم رياض (عضو المحكمة الجنائية الدولية) والمحامي عصام سلطان، وغيرهم.

وقال عيسى، الأستاذ الجامعي المتخصص في القانون الدولي، في تصريح خاص لـ  swissinfo.ch: "في 9 فبراير 2011، أي قبل إسقاط نظام مبارك بيومين فقط، قدّمنا للمدّعي العام السويسري طلبا، طالبنا فيه بالتحفظ على أموال مبارك وعائلته ورموز نظامه، فاستجاب مشكورا وأصدر قراره بالتحفّظ على أموالهم على الفور"، مضيفا "كما قمْـنا عن طريق أصدقائنا في أوروبا بممارسة الضغوط المُـمكنة لتجميد أرصدة مبارك وعائلته وصديقه رجل الأعمال الهارب حسين سالم".

وتابع عضو اللجنة القانونية لاسترداد ثروة مصر: "لقد نجحنا في تشكيل لجنة ضغط شعبي داخل مصر وخارجها، للضغط على باقي الدول الأوروبية لتقليد سويسرا وإصدار قرار بالتحفظ على أموال مبارك وعائلته ورموز نظامه، وسنستمر في هذا الأمر، ولن نكِـلّ أو نمِـلّ، حتى تعود لمصر ثروتها المنهوبة والمهرّبة".

لجنة رسمية لاسترداد الأموال

وكان المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الحاكم في الفترة الانتقالية بمصر، قد أصدر مرسوما بتشكيل "لجنة قضائية" لتعقب استرداد الأموال المصرية المنهوبة والمهرّبة للخارج، برئاسة المستشار عاصم الجوهري، مساعد وزير العدل. وتتكوّن اللجنة من مستشارين في جهاز الكسب غيْر المشروع وهيئة قضايا الدولة.

وقد عقدت اللجنة اجتماعات عدّة عن طريق الـ "فيديو كونفرانس" مع خبراء في عدّة دول أجنبية، من أجل الوصول إلى تصوّر قانوني لاستصدار أحكام قانونية في تلك الدول، للكشف عن سرية حسابات آل مبارك ورجاله ورموز نظامه.

وبدأت رحلة تعقّـب الأموال المصرية المهرّبة للخارج، من مكتب النائب العام المصري المستشار الدكتور عبد المجيد محمود، في 22 فبراير2011، حيث أعد مذكّـرة موجهة إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية عن طريق الخارجية المصرية، من 12 صفحة مكتوبة باللغة العربية تحت عنوان "طلب مساعدة قانونية"، دعا فيها هذه الدول للكشف عن أي أصول مملوكة لمبارك وأسرته ورموز نظامه.

وكانت اللجنة القضائية المشكّـلة لاسترداد الأموال المصرية المهرّبة للخارج، قد بحثت خطوات استِـرداد المبلغ (‏400 مليون دولار)، المجمّـد لدى البنوك السويسرية والخاصة بعدد من رموز النظام السابق، ووضع جدول زمني لإعادتها لمصر‏، وذلك خلال اجتماع اللجنة برئاسة الجوهري وفورغلر، لمدة 4 ساعات متواصلة، وتم الاتفاق على أن يسافر وفد قضائي مصري إلى سويسرا للاجتماع مع أعضاء من الحكومة السويسرية، لتقديم المستندات التي تثبت حقّ مصر في تلك الأموال المجمّـدة لسرعة إعادتها.

وعرض السفير السويسري على اللجنة القضائية خلال الاجتماع، استعداد سويسرا لتبني عقد اجتماعات بين الجانب المصري ومسؤولي بعض الدول الأخرى التي تطلبها مصر، لبحث سبُـل استرداد الأموال المصرية المهرّبة لتلك الدول وتذليل العقبات التي تحُـول دون استرداد أو تجميد تلك الأموال لدى هذه الدول، وذلك على أن تتحمّـل سويسرا نفقات عقد مثل تلك الاجتماعات مع أي دولة ترغب مصر في بحث استرداد أموالها لديها.

همام سرحان - القاهرة- swissinfo

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق