19‏/02‏/2012

الدعوة والحزب..أسئلة الحيرة والرجاء


د. هشام الحمامى   |  18-02-2012 14:05

تحمل لنا الأيام كل يوم تطورًا نوعيًا فى رؤية التيار الإسلامى العريض لمسألة الحكم والسلطة.. بدا الأمر بإعلان الطمأنه الشهير ثم أخذ يتطور شيئا فشيئا إلى ما نتابعه الآن..أحد وجوه التطورالأخيرة هو الإعلان المباشر والواضح عن الرغبة والقدرة فى تحمل المسئولية الوطنية من خلال تشكيل الحكومة ..وهو كلام صحيح ليس لأن مصر تخلو الآن من القوى السياسية الفاعلة التى تستطيع تشكيل حكومة ولكن فى _تصورى_ لأن الإسلاميين يمتلكون القدرة والكفاءه لإدارة دولاب الحكومة بأكمله..فهم يمتلكون الرؤية والأهداف والكوادر..

لكن الملفت للنظر أن هذا الإعلان صدر عن القيادات الدعوية لا الحزبية..وهو ما فتح الباب أمام سؤال (الضرورة)عن التمييز بين دوائر الحركة والنشاط فى كلا المجالين الذى تميز كل منهما عن الآخر..وبات هناك حزب سياسى له كل مكونات الحزب المكتمل من رؤية وقيادة وجماهير وهناك التيار الذى يملؤه(أهل الورع) ممن يتعبدون إلى الله ببناء الإنسان وتغذية عقله ووجدانه بالفهم الصحيح للحياة من خلال ينبوع الكمال كله..وعين اليقين كله ..(الفكرة الدينية).

كثير من المهتمين بتعميق مسار التمييز بين المجالين لم يفهموا على وجه الدقة السبب فى تراجع القيادات الحزبية حين تطلب الأمر إعلانا واضحا فى حين تقدمت القيادات الدعوية مزاحمة ومكاثرة فى الوقت الذى كان يتحتم عليها فيه إخلاء المسرح تماما للحزبيين ليدشنوا التجربة بقوة ووضوح لا يحتمل لبس ولا غموض ..فتزداد الخبرة هنا وتزداد المصداقية هناك.. وبتنا أمام المشهد التقليدى القديم ..ولكنه هذه المرة غير مفهوم وغير مستصاغ.

القيادات الحزبية المعنية بالشأن السياسى ذات خبرة سياسية وبرلمانية كبيرة وتمتلك القدرة والكفاءة لإدارة هذا الملف _بشهادة الجميع_ فلماذا إذن زاحمتهم القيادات الدعوية فى هذه المساحة تحديدا وسارعت إلى إطلاق التصريحات والتقريرات بلا مبرر واضح ..بل إن المبرر الذى يطل برأسه مرة أخرى ككرة الماء لا يسعد من يراه.

على أن الأكثر إثارة للتساؤل أن ما قالته القيادات الدعوية لم يحمل رؤية أكثر ثراء وقوة فى المعنى والمضمون وهو الأمر الذى كان سيفسر نفسه بنفسه على الرغم من التداخل المربك فى الأمور.لكن واقع الحال لم يكن هناك ثراء ولا قوة..فقط ساعد ذلك على زيادة جرعة الشك فى أن مسألة التمييز بين الدعوى والحزبى لا تعبرعن قناعة عميقة لدى أبناء التيار الإسلامى_خاصة قياداته القديمة_ وهى القناعة التى توقعها وانتظرها كثيرون باعتبارات التاريخ والتجربة والضرورة والتطورالطبيعى فى الفهم والحركة...

الأكثر مدعاة للحيرة هو الحاجة الملحة والماسة التى تفرضها الساعة التاريخية من عمر أمتنا (مصر: دولة_أمة) للإصلاح والبناء الاجتماعى فى التربية والنشأه والتعليم والتثقيف وإعادة الصبغة الحقيقة لوجه المصرى الأصيل الذى يعبد الله ويعمر الأرض.وهو الدور الذى يقوم به (الدعويون) بامتياز وتفوق فغير أنه لا ينافسهم فى إتمامه أحد ..سيكون هذا الإصلاح والبناء بمثابة تأسيس صلب وتمهيد طريق (للحزبيين)فى الحكم الرشيد القائم على الكفاءة والأمانة من جهة الحكومة والقائم على التعاون والفهم من جهة المجتمع ..ذلك أن الفكرة الدينية كما قال (مالك بن نبى) أساس أى تغيير اجتماعى وأساس فى أى تركيب حضارى.

أستطيع أن أقدر وأفهم أن العمل السياسى هو أكثر مجالات العمل العام جاذبية وبريقا لما يصاحبه من شهرة ونفوذ ونجومية..كما أنه يمنح فرصة جيدة للصعود فى الهرم الاجتماعى لمجتمع لا يعبأ كثيرا بالنكرات.. وقديما قال أهل الطريق ( آخر ما يخرج من شهوات النفس هو حب النفوذ والسيطرة)..ويبقى حظ النفس وحظ الدين قطبى صراع داخل الإنسان.

أرجو أن يكف أصدقاؤنا وإخواننا فى التيار الإسلامى العريض _خاصة قياداته القديمة_ عن الانشغال بالعمل الحزبى والحديث عن تأليف حكومات وتشكيل تحالفات ويتركون ذلك بنزاهة وشرف للحزب وقياداته ومكتبه السياسى وأمانته..صحيح أن الاهتمام اليومى بالمشاركة فى الأحداث الساخنة وأخبارها وتطوراتها (تهواه) النفس البشرية و(تهوى)أكثر أن تكون فى بؤرة هذه الأحداث فاعلة ومؤثرة...لكن النداء القرآنى العظيم بأن(ما عندكم ينفد وما عند الله باق) ..تهواه النفس المطمئنة ..أكثر وأكثر.

وإذا كان هناك ثمة ضرورة ملحة للأحاديث الإعلامية فلتكن عن أركان النهضة ومكوناتها الفكرية والثقافية والأخلاقية وعن عبرة التاريخ التى تتجلى كل يوم فى التأكيد على أهم ركن فى النهضة المنشودة وهو(الإنسان) ..أشرف المخلوقات الذى جعل الله نطقه بيان..وسمعه وعى..وبصره تمييز...فجعله الخليفة المسئول بين جميع الخلق يدين بعقله فيما رأى..ويدين بوجدانه فيما طواه الغيب .

فلنجعل الفريضة تشكيل الإنسان.. ولنجعل النافلة تشكيل الحكومات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق